آراءسياسة
أخر الأخبار

إيران في مرمى النيران.. من الحرب بالوكالة إلى واجهة الصراع المباشر “تحليل”

ما يُثير القلق الآن أن سياسة “الهروب إلى الأمام” التي لطالما ميزت الخطاب الإيراني قد تتحول إلى عبء استراتيجي..

د. أميرة عبد العزيز 

منذ أكثر من أربعة عقود، ظلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتمد استراتيجية معقدة في توسيع نفوذها الجيوسياسي تقوم على مبدأ “الحرب بالوكالة” أي خوض معاركها عبر أذرع عسكرية في الإقليم بدل التورط المباشر.

غير أن التصعيد الأخير مع إسرائيل، خاصة منذ مساء 13 يونيو 2025، كشف خللًا في هذه العقيدة، وجرّ طهران إلى قلب المواجهة بشكل مباشر لأول مرة منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980–1988).

من الدم العراقي إلى هندسة الوكلاء

الحرب الطويلة مع العراق كانت محطة فارقة في التوجه الاستراتيجي الإيراني. فبعد سنوات من الخسائر البشرية والاقتصادية الكارثية، خلص صناع القرار في طهران إلى أن المواجهات المفتوحة تهدد بقاء النظام نفسه. وهكذا، بدأ الحرس الثوري، وتحديدًا فيلق القدس، في بناء شبكات عسكرية عقائدية شيعية عبر دول الجوار، أبرزها:

• حزب الله في لبنان، ذراع إيران في جنوب المتوسط.
• الميليشيات الشيعية العراقية التي سيطرت على القرار الأمني في بغداد بعد 2003.

• أنصار الله (الحوثيون) في اليمن، كورقة ضغط استراتيجية على الخليج العربي.
• الميليشيات الشيعية العابرة للحدود في سوريا (مثل “زينبيون” و”فاطميون”) لدعم نظام الأسد.

بهذه الأدوات، مارست إيران نفوذها دون أن تُلطّخ يدها مباشرة بالدماء، أو أن تُحمّل مسؤولية قانونية أو دبلوماسية أمام المجتمع الدولي.

نهاية الغطاء: حين تنفجر الوكالة

غير أن ما حدث في يونيو 2025، وتحديدًا عقب الضربات الإسرائيلية الدقيقة على منشآت نووية وعسكرية داخل العمق الإيراني، فجّر معادلة “الوكالة”.

لأول مرة، وجدت طهران نفسها مضطرة للرد الرسمي والمعلن، عبر إطلاق صواريخ ومسيرات نحو أهداف إسرائيلية. لكن الرد جاء مكلفًا ومحدود التأثير، إذ تمكنت الدفاعات الإسرائيلية من اعتراض معظم المقذوفات، في حين بقيت الخسائر الإسرائيلية شبه رمزية مقارنة بما تعرضت له إيران.

لقد واجهت إيران لحظة الحقيقة: إما الرد المباشر وتحمل التبعات، أو فقدان هيبة الردع أمام خصومها ووكلائها على السواء.

الحسابات الحرجة

ما يُثير القلق الآن أن سياسة “الهروب إلى الأمام” التي لطالما ميزت الخطاب الإيراني قد تتحول إلى عبء استراتيجي. فكلما زادت طهران من انخراطها العلني، تراجعت قدرتها على اللعب داخل المربعات الرمادية التي كانت توفر لها ميزات الإنكار والمرونة.

بل إن وكلاءها أنفسهم، كـ”حزب الله” و”الحوثيين”، قد يجدون أنفسهم محرجين أمام جمهورهم المحلي، إذا لم تواكب إيران دعمًا حقيقيًا يتجاوز الخطاب والرمزية. لقد خرجت طهران من الظل، لكنها لم تجد نفسها في موقع القائد، بل في موقع المتهم.

هل نحن أمام تحول استراتيجي؟

أبرز ما يميز اللحظة الحالية هو أن إسرائيل كسرت سقف الردع التقليدي، ووجهت ضرباتها نحو صلب البرنامج النووي الإيراني، وأثبتت أن التفوق التكنولوجي والاستخباراتي قادر على اختراق العمق حتى في ظل العقوبات والتوترات.

بالتالي، يبدو أن إيران لم تعد قادرة على الاحتفاظ بالمعادلة القديمة: أن تقود من الخلف، وأن تحارب دون أن تُستهدف. وعليه، فإن المنطقة قد تكون على أبواب تحول عميق، تنكسر فيه أدوات الحرب بالوكالة وتُجبر الدول على إعادة تموضع استراتيجياتها الأمنية.

إيران اليوم تواجه لحظة تاريخية فاصلة: إما أن تعود إلى استراتيجية الانكفاء المؤقت، وتفوض وكلاءها بإعادة صياغة التوازن، أو أن تُقبل على تصعيد مباشر ستكون كلفته باهظة ليس فقط على طهران، بل على كامل المنطقة.

وقد يكون الخيار الثالث – والممكن سياسيًا – هو العودة إلى طاولة التفاوض ضمن شروط جديدة، توازن بين طموح النفوذ وحدود الردع.

* أكاديمية مغربية: باحثة في العلاقات الدولية 

https://anbaaexpress.ma/uo06x

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى