في تطور جديد يعكس توترا دبلوماسيا متصاعدا بين مدريد وتل أبيب، استدعت وزارة الخارجية الإسبانية القائم بالأعمال في السفارة الإسرائيلية ، وذلك على خلفية تصريح وصفته مدريد بـ”غير المقبول”، جاء فيه أن إسبانيا “تقف في الجانب الخطأ من التاريخ”، عقب تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اعتبر فيها ما يجري في قطاع غزة “إبادة جماعية”.
وأكدت مصادر حكومية إسبانية أن هذا التصريح تجاوز الخطوط الحمراء الدبلوماسية، مما استوجب رداً رسمياً عبر استدعاء أعلى ممثل دبلوماسي إسرائيلي في مدريد، لا سيما في ظل غياب السفير الإسرائيلي الذي تم استدعاؤه من قبل حكومة نتنياهو منذ نوفمبر 2023 للتشاور، في أعقاب انتقادات سابقة وجهها سانشيز للعدوان الإسرائيلي على غزة.
وتعود جذور الأزمة الراهنة إلى كلمة ألقاها سانشيز في بروكسل، أعرب فيها عن إدانته لـ”الوضع الكارثي للإبادة الجماعية” التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة، ودعا خلالها بشكل صريح إلى تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وتعد هذه المرة الرابعة خلال أقل من عامين التي تقدم فيها وزارة الخارجية الإسبانية على استدعاء الممثل الأول للسفارة الإسرائيلية، بعد حوادث مشابهة في نوفمبر 2023، أكتوبر 2024، وماي 2025، ما يكشف عن تراكم توتر دبلوماسي غير مسبوق بين البلدين بسبب تباين المواقف حيال العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي يتواصل منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023.
وتقرأ تصريحات القائم بالأعمال الإسرائيلي في مدريد ضمن سياق رد تل أبيب على تحول ملحوظ في الموقف الإسباني تجاه الصراع، حيث تتبنى حكومة سانشيز، التي يقودها ائتلاف يساري، خطابا أكثر نقدا لإسرائيل مقارنة بنظرائها الأوروبيين، لا سيما مع تنامي الأصوات داخل البرلمان الأوروبي المطالبة بمراجعة شاملة للعلاقات مع تل أبيب في ظل الاتهامات المتزايدة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
من جهة أخرى، يعكس هذا التصعيد الدبلوماسي تحديا للعلاقات التقليدية بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، حيث تضع مدريد نفسها في محور أوروبي جديد يتجه لمساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن انتهاكاته، مدفوعاً بضغوط داخلية وخارجية، خاصة من منظمات حقوقية وأوساط أكاديمية وسياسية ترى أن استمرار الشراكة الأوروبية مع إسرائيل رغم الأوضاع في غزة يضع أوروبا في موقف أخلاقي حرج.
ويأتي هذا الحراك الإسباني في لحظة تاريخية دقيقة، تتزامن مع تصاعد الجدل العالمي حول مفهوم “الإبادة الجماعية” وتسييسه، خاصة بعد أن لجأت دول ومنظمات إلى المحاكم الدولية لرفع دعاوى ضد إسرائيل، وهي خطوات تدعمها مدريد بشكل غير مباشر من خلال خطابها السياسي والدبلوماسي، في وقت يزداد فيه الانقسام داخل أوروبا حول كيفية التعامل مع إسرائيل في ظل استمرار العدوان.
التوتر المتصاعد بين إسبانيا وإسرائيل، إذا ما استمر على هذا المنوال، قد يتحول إلى أزمة دبلوماسية أوسع تعيد ترتيب العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، وتمنح زخماً أكبر للأصوات المطالبة بتدويل الملف الفلسطيني خارج هيمنة الرواية الإسرائيلية، وهو ما تخشاه تل أبيب وتحاول كبحه بالضغط السياسي والدبلوماسي على العواصم التي تخرج عن “الإجماع الصامت”.