آراء
أخر الأخبار

قُصور النمطية..

إن الكاتب أو الناقد، حين يكتب، يحاول أن ينطلق من رؤية واضحة تستند إلى فهم معمّق للنص أو الظاهرة التي يتناولها

عبد الله فَضُّول

لا يمكنني أن أقبل على نفسي أن أكون مجرد انعكاس لمواقف نمطية، أو أن أذوب في قوالب جاهزة تُفرض عليّ دون وعي.

لا سيما أن توجّهي أدبي وجمالي، أتنفّس الفن في تفاصيل الأشياء، أتذوّق المعاني العميقة، وأحسّ بالإيقاع الخفي للأفكار، وأستشعر الأبعاد التي لا تُرى بالعين، بل تُدرك بالقلب والحدس.

إن الإدراك الجمالي ليس مجرّد ترف، بل هو جوهر يكشف عن حقيقتي، حيث تتداخل العاطفة بالفكر، والتأمل بالفهم، ليكوّن لي رؤية لا يمكن أن تُختزل في الأحكام السطحية.

مسوّغ حديثي كون البعض يصنفك ضمن إطار محدد، ويعتقد أنك تنتمي إلى قالب جاهز، متجاهلًا تعقيد التجربة الفردية وتعدد الأبعاد التي تشكّل رؤيتك.

وهذا التصور خاطئ، لأنه مبني على انطباعات سطحية أو أحكام مسبقة لا تستند إلى معرفة حقيقية، حيث يتم اختزال الشخصية في صورة نمطية، بعيدًا عن الفهم العميق لسياقاتها الفكرية والشعورية. وهكذا، يصبح الإدراك الناقص عائقًا أمام قراءة الإنسان كما هو، لا كما يُراد له أن يكون.

إن الكاتب أو الناقد، حين يكتب، يحاول أن ينطلق من رؤية واضحة تستند إلى فهم معمّق للنص أو الظاهرة التي يتناولها، ويبني ذلك على أسس تحليلية ومنهجية دقيقة، حتى تكون أحكامه منسجمة مع السياق الفكري والجمالي الذي يشتغل فيه، وغير خاضعة لانطباعات عابرة أو تأويلات متسرعة.

وهكذا، يصبح النقد أو الكتابة عملية تتجاوز مجرد التعبير، إلى إعادة تشكيل المفاهيم وإثراء الفهم بما يضيف أبعادًا جديدة للرؤية المطروحة.

مع الأسف، يميل البعض إلى تبني أحكام جاهزة أو الوقوع في التعميم، بدلًا من البحث العميق والتحليل الدقيق.

وهذا قصور فكري لا يليق بمن يشتغل في مجالات الفكر أو النقد، حيث يتطلب الأمر رؤية أوسع، تستند إلى الفهم الحقيقي للمعطيات، لا مجرد استنساخ للمواقف السائدة.

فالتفكير النقدي يُبنى على التمحيص والتدقيق، لا على الانسياق وراء التصورات المسبقة أو الأحكام المتسرعة.

في (اللص والكلاب) يقدم نجيب محفوظ شخصية سعيد مهران كلص هارب يبحث عن العدالة في عالم فاسد.

لكنه ليس مجرد مجرم، بل إنسان تتداخل في داخله مشاعر الظلم والخيانة والانهيار الأخلاقي. الرواية تتجاوز التصنيف التقليدي للجريمة، لتغوص في التناقضات الإنسانية بين الانتقام والبحث عن معنى في واقع لا يعترف بالعدل.

النمطية وإدراك السطح لا يقدمان فهمًا حقيقيًا للواقع، بل يعيدان إنتاج تصورات محدودة، متجاوزين عمق التجربة الإنسانية.

وفي ظل سياقات تفرض أنماطًا جاهزة، يصبح تجاوز الإدراك السطحي ضرورة لفهم أعمق، حيث لا يكون التفاعل مجرد استجابة تلقائية، بل فعلًا نقديًا يعيد النظر في القوالب المفروضة، لكشف أبعاد أكثر اتساعًا ودقة مما يبدو على السطح.

* كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا

https://anbaaexpress.ma/bxb67

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى