في موقف يعد مؤشراً لافتا على براغماتية السياسة الروسية تجاه حليفتها الشرق أوسطية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، أن إيران لم تطلب من موسكو أي مساعدة عسكرية في ظل التصعيد الأخير مع إسرائيل، مضيفاً أن طهران لم تُبدِ اهتماماً جدياً بالمشاريع الروسية المتعلقة بأنظمة الدفاع الجوي.
تصريحات بوتين، التي جاءت خلال حدث متلفز من مدينة سان بطرسبورغ، ترافقت مع تصاعد الانتقادات لموسكو من دوائر سياسية وإعلامية إيرانية، بسبب ما يُنظر إليه على أنه موقف “متراخٍ” وغير متناسب مع حجم الدعم العسكري الإيراني لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، حيث زوّدت طهران موسكو بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة استخدمت بشكل واسع في الجبهة الأوكرانية.
وقال بوتين: “أصدقاؤنا الإيرانيون لم يطلبوا منا مساعدة عسكرية”، موضحاً أن بلاده عرضت التعاون في مجال الدفاع الجوي، لكن طهران لم تُبدِ حماساً لذلك.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران ساهمت في “تعزيز الدعم الشعبي للقيادة السياسية الإيرانية”، في إشارة ضمنية إلى تحصين الجبهة الداخلية الإيرانية نتيجة التصعيد العسكري.
ورغم العلاقات المتينة التي تربط موسكو بطهران، خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، بدت روسيا حذرة في الاصطفاف المباشر مع إيران ضد إسرائيل، ما اعتبره مراقبون في طهران “نكراناً للجميل” وغياباً للتكافؤ في المعادلة الاستراتيجية بين البلدين.
بوتين لم يكتفِ بتبرير الموقف، بل جدّد عرض بلاده التوسط بين إيران وإسرائيل قائلاً: “علينا أن نكون حذرين، لكنني أعتقد أنه يمكن إيجاد حل يناسب الطرفين”، وهو عرض لم يُقابل بحماس لا من الأوروبيين ولا من الأميركيين.
فقد وصف متحدث باسم الاتحاد الأوروبي موسكو بأنها “لا تملك الحياد الكافي للعب دور الوسيط”، في حين سخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العرض الروسي قائلاً إن “على بوتين أن ينهي حربه في أوكرانيا أولاً قبل أن يعرض وساطته في الشرق الأوسط”.
وفي معرض رده على سؤال حول موقف موسكو من احتمال استهداف إسرائيل للمرشد الإيراني علي خامنئي، تهرّب بوتين من الإجابة المباشرة، مكتفياً بالقول: “لا أريد حتى مناقشة هذا الاحتمال”، ما يعكس تحفظًا روسيًا في مقاربة أي سيناريو قد يدفع إلى تدخل عسكري مباشر في الإقليم.
ورغم تحفظ موسكو تجاه دعم إيران، وجهت الخارجية الروسية تحذيراً إلى واشنطن من مغبة تقديم دعم عسكري مباشر لإسرائيل، في حال توسع الصراع. وأكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن “أي مساعدة أميركية مباشرة ستكون بمثابة خطوة خطيرة نحو زعزعة جذرية للاستقرار في الشرق الأوسط”.
ويعكس موقف روسيا من التصعيد الإيراني الإسرائيلي وفق خبراء ومراقبين، توازناً دقيقاً بين الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وتفادي الدخول في مواجهة مفتوحة قد تزيد من عزلة موسكو على الساحة الدولية.
فبينما تستفيد روسيا من الدعم الإيراني في أوكرانيا، فإنها في المقابل تحرص على عدم استفزاز إسرائيل، التي تربطها بها علاقات عسكرية استخباراتية غير معلنة، خصوصاً في ما يخص التنسيق في الأجواء السورية.
العرض الروسي للوساطة قد لا يكون أكثر من محاولة لإعادة تموضع دبلوماسي في منطقة تتغير ملامحها بسرعة، خصوصاً مع دخول الولايات المتحدة طرفًا مباشرًا في الأزمة وتزايد مؤشرات التصعيد الإقليمي.
بالتالي، تبدو موسكو عالقة بين تحالف تكتيكي مع إيران، وحذر جيوسياسي من دفع التوازنات نحو الانفجار، وهو ما يجعل من موقفها الحالي محاولة لحفظ المسافة من الجميع، دون أن تخسر أحداً بالكامل…