أفريقياسياسة
أخر الأخبار

المرزوقي في قبضة القضاء التونسي.. أحكام غيابية تعمق الانقسام السياسي في البلاد

من المرجح أن ينعكس هذا التصعيد القضائي في مزيد من التوتر داخل المشهد السياسي، خاصة في ظل اقتراب استحقاقات انتخابية مرتقبة يلوّح بها الرئيس سعيد، دون وجود ضمانات كافية لمشاركة حرة ومتوازنة...

في تصعيد قضائي لافت يطرح تساؤلات جديدة حول استقلالية المؤسسات في تونس، أصدرت محكمة تونسية حكماً غيابياً يقضي بسجن الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي لمدة 22 عاماً، إلى جانب مستشاره السابق عماد الدائمي وعميد المحامين الأسبق عبد الرزاق الكيلاني، وذلك بتهم تتعلق بـ”الاعتداء على أمن الدولة”.

الحكم جاء بعد يوم واحد فقط من صدور حكم آخر بالسجن 15 عاماً ضد القيادي في حركة النهضة الصحبي عتيق، في قضية مرتبطة بغسل الأموال.

ويمثل هذا الحكم الغيابي الجديد ثالث إدانة يصدرها القضاء ضد المرزوقي، الذي سبق أن صدرت بحقه أحكام أخرى بالسجن لمدة 4 سنوات و8 سنوات في قضايا منفصلة. المرزوقي، الذي تولى رئاسة تونس بين عامي 2011 و2014 بعد الثورة، يعد من أبرز رموز التيار المعارض للرئيس الحالي قيس سعيد، ويُعرف بمواقفه الحادة ضد ما يعتبره “انقلاباً على الديمقراطية”.

المرزوقي لم يتأخر في الرد، حيث وصف في منشور على صفحته الرسمية في فيسبوك الأحكام بأنها “باطلة”، وقال مخاطباً القضاة: “أنتم باطلون… وستُحاكمون”. وأكد أن الديمقراطية ستعود، في موقف يعكس تمسكه بخطاب المواجهة السياسية رغم الملاحقات القضائية.

ومنذ إعلان قيس سعيد في يوليو 2021 عن تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة، مروراً بإصدار مراسيم دستورية منحته سلطات تنفيذية وتشريعية مطلقة، بات القضاء التونسي موضع شك كبير من طرف المعارضة، التي تتهمه بالتحول إلى أداة تصفية سياسية.

ويصف المرزوقي هذا المسار بـ”الانقلاب الدستوري”، ويعتبر أن سعيد يمضي نحو تأسيس نظام حكم فردي يعيد تونس إلى مربع ما قبل الثورة.

في المقابل، دافع الرئيس قيس سعيد عن قراراته باعتبارها “ضرورية” لإنقاذ البلاد من أزمتها السياسية المتفاقمة، ولضمان استقرار مؤسسات الدولة وسط حالة من الانقسام الحاد وفشل متكرر في إدارة الشأن العام، خاصة في ظل تعثر اقتصادي عميق وتزايد الضغوط الاجتماعية.

غير أن تصاعد الأحكام القضائية ضد وجوه المعارضة البارزة، في توقيت يشهد فيه المشهد التونسي خنقاً متزايداً للحريات العامة وملاحقات قضائية لصحفيين ونقابيين، يثير شكوكا قوية في الداخل والخارج بشأن مدى التزام تونس بمعايير العدالة المستقلة.

القضاء بين الاستقلال والتوظيف

لطالما مثّل القضاء في التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس أحد الضمانات الأساسية لحماية الحريات والحقوق، غير أن سلسلة التعيينات الرئاسية داخل مؤسسات القضاء، إلى جانب إعفاء عشرات القضاة دون محاكمة أو مساءلة قانونية عام 2022، فاقمت من مناخ الريبة. وسبق أن أعربت منظمات حقوقية محلية ودولية عن قلقها من تغوّل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، مما يقوّض ركائز دولة القانون.

وتعتبر الأحكام ضد المرزوقي والدائمي والكيلاني مؤشراً جديداً على ما تصفه المعارضة بـ”القضاء المسيّس”، فيما يرى مقربون من السلطة أن القانون يُطبق على الجميع، وأن الدولة تستعيد هيبتها عبر مكافحة كل من يهدد استقرارها.

تأثيرات داخلية وخارجية

سياسياً، من المرجح أن ينعكس هذا التصعيد القضائي في مزيد من التوتر داخل المشهد السياسي، خاصة في ظل اقتراب استحقاقات انتخابية مرتقبة يلوّح بها الرئيس سعيد، دون وجود ضمانات كافية لمشاركة حرة ومتوازنة.

كما قد تفتح هذه الأحكام الباب أمام مزيد من المقاطعة أو العصيان المدني، إذا ما قررت أطراف المعارضة توسيع رقعة المواجهة الميدانية.

على الصعيد الدولي، يتوقع أن تثير الأحكام الجديدة ردود فعل أوروبية ودولية، خاصة أن المرزوقي معروف بدعمه لمبادئ حقوق الإنسان وقد نال جائزة دولية في هذا المجال، كما أنه يحتفظ بعلاقات قوية مع مؤسسات دولية كان لها دور في دعم التحول الديمقراطي في تونس بعد 2011.

مع إصدار هذا الحكم الثقيل، يتكرس واقع جديد في العلاقة بين القضاء والمعارضة في تونس. ومع استمرار قيس سعيد في ترسيخ سلطاته، يواجه خصومه مزيداً من الضغوط القضائية التي تهدد بإعادة إنتاج مشهد سلطوي وإن بمؤسسات جديدة.

غير أن إصرار رموز المعارضة، وعلى رأسهم المرزوقي، على رفض هذه الأحكام والتأكيد على مواصلة “النضال السلمي” لإعادة الديمقراطية، قد يبقي جذوة الصراع السياسي مشتعلة، ويعيد تدويل القضية التونسية من جديد، في وقت تتزايد فيه مؤشرات الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

https://anbaaexpress.ma/f2gx5

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى