آراء
أخر الأخبار

للعمر أحكامه..

عبدالله فضول

كلما كبرنا في العمر، ندرك أن الزمن يمضي بسرعة ولايمنحنا فرصة للعودة أو التصحيح، ونقترب أكثر من الموت كحقيقة لا تقبل الإنكار. يزداد إيماننا بالله، لا بوصفه مجرد فكرة، بل كيقين ينبع من التجربة والتأمل الطويل.

نتخلى عن أفكارنا اللادينية، ليس كقرار فجائي، بل كتطور طبيعي في مسيرة البحث عن المعنى. نصير أكثر هدوءًا أمام الحياة، أكثر تقبلًا لما هو قادم، وأكثر وعيًا بتفاصيل كنا نعبرها دون اكتراث.

فأين الحقيقة من كل هذا؟

في الحقيقة، ونحن شباب نكون أكثر بُعدًا عن الدين، وأقرب إلى الفكرة المطلقة بأن الحياة ملك لنا وحدنا، لا قيود تحكمنا سوى رغباتنا. يتملكنا الجحود، لا بوصفه موقفًا واعيًا، بل كتمرد داخلي على المسلّمات التي لم نخترها.

قد نتباهى بالرفض، وكأنه انتصار على تقاليد لم نشارك في صياغتها، ثم يمضي العمر، فنكتشف أن الأسئلة التي كنا نهرب منها هي نفسها الأسئلة التي تعيد تشكيل قناعاتنا، وأن الإنكار لم يكن سوى محطة عابرة في مسيرة البحث عن المعنى.

يمكن القول إن الدين يمتلك سطوة قوية تتجاوز كونه مجرد معتقد شخصي، بل يصبح نظامًا اجتماعيًا وثقافيًا يفرض نفسه، سواء أكنا مؤمنين به بالفطرة أم رافضين له في مرحلة من مراحل حياتنا.

إنه يحضر في تفاصيل الحياة، لا كمجرد تقاليد متوارثة، بل كمرجعية تُشكّل وعي الأفراد،و تأثر على الأخلاق، وتمنح للوجود معنى يتجاوز الماديات.

وبالتالي، فإن معانقة الدين أو الارتكان إليه قد لا تكون مجرد خيار، بل مسألة وقت فقط، حيث يمر الإنسان بتجارب تدفعه إلى إعادة النظر، سواء بدافع التساؤل، أو الخوف، أو البحث عن السكينة.

فالاحتكام إلى الدين قد يكون لحظة وعي متأخرة، لكنه يظل حاضرًا في اللاوعي، يطفو حين يقترب الإنسان أكثر من حدود الحياة والموت.

ونحن في الجامعة، درسنا على يد مجموعة من الأساتذة، أكثرهم لم يكن يقيم للدين وزنًا، (كما كنا نحن آنذاك). بل كانوا يستفزون الطلبة المؤمنين الملتزمين، وأحيانًا يعلنون إلحادهم بوضوح، وكأن ذلك موقف فكري ثابت لا يقبل المراجعة.

لكن حين كبروا، تقلصت قناعاتهم السابقة، وأصبحوا أكثر ميلًا إلى التأمل وإعادة النظر في مواقفهم. لم يعد إنكارهم للدين موقفًا صارمًا كما كان في سنوات الجامعة، بل تحول إلى تساؤل داخلي، وإعادة تقييم لما كانوا يرفضونه بشدة.

بل إن بعضهم نجذب إلى التصوف ، وكأنهم وجدوا فيه ملاذًا يتجاوز التصورات السابقة، فأصبحوا أكثر اهتمامًا بالروحانيات، وأقل انشغالًا بالجدالات الفكريةالتي كانت تستهلكهم سابقًا.

صاروا يعيشون لحظات من الانجذاب الصوفي، ويدافعون عن مفاهيم كانوا يسخرون منها في شبابهم، حتى بات بعضهم “يجذب جذبتهم”، ويتحدث بلهجة المتيقن وكأن الفكرة كانت قريبة منه دائمًا لكنه لم يدركها إلا متأخرًا.

وهكذا، لم يكن التحول مجرد تخلي عن أفكار قديمة، بل انعطافة في الوعي، حيث تحولت الشكوك إلى تأملات، والتحديات الفكرية إلى لحظات صفاء. الزمن لم يغيرهم فقط، بل جعلهم كثر بحثًا عن يقين لم يعودوا يرفضونه، بل يسعون إليه بطرق مختلفة.

* كاتب وقاص للقصة القصيرة جدا

https://anbaaexpress.ma/63g5b

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى