آراءسياسة
أخر الأخبار

شهيق الحلبوسي زفير الخنجر.. رئة عراقية و أوكسجين سوري

أذرع طهران العسكرية باتت تُهدِّد "الخط السياسي الأول" نتيجة تضخَّم حضورها في عمليةٍ تُعاني أصلاً من تُخمة اللاعبين الكِبار. هي الآن بأمسِّ الحاجة إلى راعٍ سياسي يقي رأسها من عصا التوافقات الدولية و الإقليمية بعد حدث السابع من أكتوبر 2023

خنَّة الطائفية السياسية التي وردت في التسريب الصوتي الأخير للسيد خميس الخنجر، لا تساوي الخنين الطائفي المستمر عند حديث شيعة السياسة عن “أنفُسِنا”، ذلك الاختراع اللفظي البارع من الفاتيكان الشيعية “المرجعية العُليا” التي تقطنُ محافظة النجف، كمحاولة لتقليل التمييز السياسي و الاجتماعي ضد المذاهب الأربع الإسلامية. هي في الحقيقة سياسة مُتفق عليها مع شيعة السياسة الكِبار، لتقليل أعداد الهواة الطامحين للمشاركة السياسية من “المكوِّن الأكبر”.

كان المُراد من هذا التسريب الصوتي، إصابة الوعي العراقي بالصمم و لو لأسابيعٍ ثلاثة! كي لا يسمع دوي براءة رئيس البرلمان السابق السيد محمد الحلبوسي من التُهم التي أُقيل بموجِبها من البرلمان و التي تزامنت مع التسريب، و بالتالي عدم توجيه الأنظار صوب القضاء العراقي.. “كصكوصة/ قُصاصة ورق” النظام الذي لا تمتلك سوى واشنطن و طهران الحبر المناسب للكتابة فيه لا عليه.

لا أفهمُ بتاتاً لماذا لم يتعِظ أحد بنصيحة الرئيس الأمريكي الأسبق، السيد باراك أوباما و التي وردت ضمناً في مُذكَّراته السياسية، كان مفادُها “دورة حياة الفضيحة و شدَّة سطوع التشهير السياسي لا تتجاوز الثلاثة أسابيع في الإعلام الأمريكي. انتظر مرورها قبل أن تطرح برنامجاً سياسياً”.

تاريخ الخنجر السياسي في عراق ما بعد 2003 لا يُحسد عليه. هو أساساً “بسبس” مالي ربتت يدا الإخوان المسلمين في العراق على جيبه فاستحال سياسياً. لا يخطو على الأسفلت إلَّا برفقةِ حرسٍ شخصي بريطاني، ولا يدلو بتصريحٍ إلَّا إن هَمَسَ بهِ مستشارون بريطانيون أيضاً.

إقليمياً ليس لهُ دور سوى أن يكون صيدلية إسعافٍ لنفوذ القوى الوازنة.. هم البطن و هو الِّلسان. أمّا دولياً فهو سبَّاحٌ مُزمن في لائحة مدفوعات شهرية – خمسة و ستون ألف دولار – لجماعة ضغطٍ أمريكية “لوبي”، يُديره مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق السيد بيل كلينتون، رغم إنَّهُ ضيف في لوائح عقوبات العم سام.

ولكن علينا الآن أن نكسو التسريب الصوتي المنسوب إليه شحماً..

الخنجر شكَّل و موَّل تحالفات سياسية عديدة. الأرجح إنَّهُ قد تأثَّر بعقيدة العمل السياسية غير المنطوقة للحزب الإسلامي العراقي مع حلفائه “أنا نهرٌ أصنع الروافد”. العيب في نسخة العمل الخاصَّة به، كان تكرار النتيجة التالية “يدخلون حلفاء و يخرجون زعماء”. المال السياسي بدوره ما عاد ميَّزةً له فالمال العام في العراق مُنافق “فراشة في حديقة المسؤولين دَّبور في جيب المواطنين”.

ملاءة المال السياسي للخنجر و فشل نُسخة العمل السياسي الخاصَّة به، تبقى في خطوطها العريضة قاعة كمال سياسي لمن يُريد تنشيف الترهل الحزبي و اكتساب عضلات البروز. مثلاً، و بحسب ما أعلنته مفوضية الانتخابات في العراق قبل أيَّام “هناك 310 حزب مُسجَّل أصولياً و 60 تحالف سياسي” يستعدون لخوض الحفلة التَنَكُريَّة في الانتخابات النيابية المزمع انطلاقها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم. عليه، لا يوجد مُدرِّب أفضل من المال السياسي السهل كالذي يمتلكهُ السيد الخنجر لهؤلاء المترهلين، لإخفاء كروشهم القَبَليَّة و الميليشياوية و المناطقيَّة، و الخروج بعدها زمزمية سياسية لهذهِ الطائفة المنصورة أو تلك. و من ثَّمَ محاولة إيجاد مقعد على طاولة الكِبار المزدحمة التي يُطلق عليها عادةً في أدبيات الإعلام العراقي “سياسيو الخط الأول”.

السيد نوري المالكي أمين عام حزب الدعوة الإسلامية نظيرٌ أكثرُ براعة في استخدام المال السياسي من السيد الخنجر، كان وما زال أبرع المُشغِّلين لدولابه. لم يَفْتُر يوماً عن الحركة. دولاب “عم المقاومة” و هو أحد ألقابه، ماز بامتلاكهِ حرية المِلاحة في كامل سماء السياسة العراقية.

الخطأ الوحيد الذي ارتكبهُ الخنجر الآن في العملية السياسية، ليس دورهُ السياسي أو تسريبهُ الصوتي، و إنَّما مزاياهُ المالية و التأثيرات الجانبية غير المقصودة للتحالف معه “أدخل معي حليفاً و ستخرج زعيماً”. رحلةُ مَالِه السياسية كانت سُّنيَّة في الأصل، لكنها أصبحت حافلة للميليشيات الإيرانية، الباحِثة حالياً عن “خال المقاومة”.

أذرع طهران العسكرية باتت تُهدِّد “الخط السياسي الأول” نتيجة تضخَّم حضورها في عمليةٍ تُعاني أصلاً من تُخمة اللاعبين الكِبار. هي الآن بأمسِّ الحاجة إلى راعٍ سياسي يقي رأسها من عصا التوافقات الدولية و الإقليمية بعد حدث السابع من أكتوبر 2023.

هنا السيد فالح الفياض رئيس هيئة الحشد الشعبي قد بدا – لا أعلم إن ما زال يبدو كذلك –  لعيون السيد السوداني رئيس الحكومة و زعيم ميليشيا العصائب السيد الخزعلي كـ “الكاكي” الأقدر، على امتصاص ولاء هذه الميليشيات، و منع أصابع المالكي الانتخابية من الإمساكِ بها. إضافةٍ لكون الفياض الشريك الشيعي المُجرَّب و الموثوق عند الحزب الإسلامي العراقي، و بالتالي فإن السيد المالكي لن يتحكم بالمطبخ السياسي السُّني كامِلاً. هذا ما دفع  إلى مطاردة الفياض بالتقاعد الإجباري بحجة بلوغه السن القانوني.

العيب الوحيد في هذا التحليل، أن يكون التسريب الصوتي للسيد الخنجر مُتفقاً عليه، لرفع حظوظه فيما سُمَّي بـ “الإطار السُّني” الذي يُشارك فيه. الرأس البارز في هذا المشروع السياسي الذي انطلق قبل ثلاثة أشهر، هو رئيس البرلمان الحالي السيد محمود المشهداني – على الأرجح هو واجهة للمالكي – و الذي يُشارك فيه السيد زياد الجنابي “كتلة مبادرة” المنشق عن السيد الحلبوسي، والسيد احمد الجبوري “حزب الجماهير الوطنية” الشهير باسم “أبو مازن”. أي لن يكون لهذه الميليشيات مفر “تريدون عمَّاً خذوا عمَّاً تريدون خالاً خذوا عمَّكم المالكي”.

و السؤال الآن: هل بقي بعد طبقات الشحوم هذه مكان كي نلصق لحماً بالتسريب الصوتي للخنجر؟

السيد الخنجر ذو الخلفية الإخوانية، يمتلك العديد من المصالح الاقتصادية مع دولٍ عربية شقيقة. هي ستكون حاضرة في مؤتمر القمة العربية المزمع انعقادها في السابع عشر من مايو/ أيار الجاري في بغداد، حيث سيتم تركيز أعمال القمة على سوريا بحسب التصريحات الرسمية للحكومة العراقية. إذاً، قد يكون وجود السيد الخنجر غير حصيف و علامة عدم جدَّية بغداد الساعية إلى الحصول على  توافق و لو بالحدِّ الأدنى مع العواصم العربية.

وجود السيد محمد الحلبوسي الذي نستطيع اختصار سياسته بالقول “مع الجميع و ليس ضد الجميع” يبدو وسيطاً عراقياً سُّنيَّاً أكثر موثوقية، على الأقل بما يخصُّ الشأن السوري الذي يُنتظر من نظامه الجديد الإفصاح عن مقارباته الأمنيَّة و لمس أثر سياساته الخارجية التي لا تود كسب الشرعيَّة و الحصول على الدعم فقط من العواصم العربية.

ألف مبروك للسيد محمد الحلبوسي براءته، و الذي قد يعود لرئاسة البرلمان بعد الانتخابات القادمة، مُحفِّزاً السيد نوري المالكي على نيل رئاسة الحكومة للمرَّة الثالثة. الأهم، رفع نسبة المشاركة الانتخابية في عملية سياسية لا تحظى بالشرعية و إنَّما بالنقمة الشعبية.

ملاحظة بريئة: موعد القمة العربية سيكون بعد مرور ثلاثة أسابيع تقريباً على ضجَّة التسريب الصوتي للسيد خميس الخنجر.

https://anbaaexpress.ma/417qh

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى