آراءحديث الساعة
أخر الأخبار

جبران خليل جبران.. حين كانت الأخلاق فطرة لا تعلُّم

لقد تراجعت القيم، وتقدّمت التفاهة، وتصدّر الرديئون المشهد في كل مجال، حتى باتوا قدوة للناشئة، ومرجعية لمن ضلّ الطريق.

“كنا أطفالاً نرتعِب إنْ رأينا حذاءً مقلوبًا جهة السَّماء، فَنركض لنُسوِّيه…

وكنَّا إذا رأينا قطعةَ خبزٍ مُلقاة على الأرض، نركُض ونحمِلها إلى مكانٍ عالٍ، ونُرسل قُبلةَ اعتذارٍ إلى الله…

أيَّة أرواحٍ بريئة طاهرة خسِرناها في الطريق؟” – جبران خليل جبران

هذا من أعمق ما كتب جبران خليل جبران عن البراءة والأخلاق التي افتقدناها في زمنٍ أصبح يعرف قلة الحياء والميوعة، وابتعدت فيه الأجيال عن التربية الأصيلة، وأصبح كل شيء مباحًا.

لقد تراجعت القيم، وتقدّمت التفاهة، وتصدّر الرديئون المشهد في كل مجال، حتى باتوا قدوة للناشئة، ومرجعية لمن ضلّ الطريق.

صرنا نرى من يروّج للسفاهة كأنها إبداع، ويصوّر الانحلال وكأنه حرية. وهو ما جعلنا نخسر أرواحًا بريئة، كانت تنمو يومًا على الحياء والخوف من الله، لا على الشهرة الفارغة واللهاث وراء “التريند” والربح السريع.

عشنا مع جيلٍ كان يقدّس اللقمة، يخشى الدعس على النعمة، ويرتجف من فكرة العقوق أو الإساءة للآخرين. كانت الأخلاق تُغرس بالفطرة، في تفاصيل الحياة اليومية، لا تُلقَّن في محاضرات أو شعارات جوفاء. وكان الحياء جزءًا من الهوية، لا خيارًا ثقافيًا.

اليوم، في زمن الميوعة والتباهي بالتفاهة والانبهار بكل ما هو رديء، تحوّلت القدوة إلى مشاهير “التريند”، وصرنا نرى الانحطاط يُقدَّم في قوالب لامعة، مدعومة بأرقام المتابعين والمشاهدات، فيما يُقصى العقلاء، ويُشيَّع الصمت الأخلاقي.

ليس غريبًا أن تنهار القيم حين يصمت الشرفاء، وحين يُمنح المايكروفون لمن يبيع الكلمة، ويشتري الصمت. وليس عجيبًا أن تنقلب المعايير، حين يصبح الصخب بديلاً عن المبدأ، والضجيج أقوى من الحكمة.

إن جبران، بكلماته البسيطة والعميقة، لم يكن فقط يرثي الطفولة، بل كان يُشخّص انحدار أمة، ويُنبّه إلى حقيقة واضحة: الأخلاق لا تُدرَّس، بل تُزرع في البيوت، وتُروى بالقدوة.

لكن، رغم كل شيء، لا تزال “قبلة الاعتذار” تلك ممكنة. لا تزال في القلوب بقية من حياء. المهم أن نبدأ، أن نعيد الاعتبار لتربية الأم، ولنظرة الأب، ولمعاني جبران.

قد لا نستطيع استرجاع كل ما خسرناه، لكن يمكننا أن نُحيي في أبنائنا قبلة الاعتذار إلى الله.. قبلة الحياء، وقبلة التربية النقية التي تحدّث عنها جبران.

فما أكثر ما خسرنا، وما أقلّ ما تبقى.. فلنُحافظ عليه.

https://anbaaexpress.ma/fnmqx

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى