تقاريرسياسةعاجل
أخر الأخبار

تقرير: ترامب والدولة العميقة – توافق تكتيكي أم صراع مكتوم؟

في هذا السياق، رصد مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث ضعف التنسيق بين الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب والدول الأوروبية، كما لاحظ تصدعات عميقة في العلاقة بين ترامب والدولة العميقة الأميركية، رغم ما يُروَّج إعلاميًا من لقاءات واتفاقيات..

إعداد: مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث

يُعد هذا التقرير التحليلي جزءًا من سلسلة الدراسات الاستراتيجية التي يصدرها مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث، والتي تهدف إلى تفكيك تحولات النظام الدولي واستشراف مآلاته.

ويركز هذا الإصدار على العلاقة المعقدة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدولة العميقة الأميركية، في سياق إعادة تشكل التوازنات الجيوسياسية العالمية، لا سيما في إفريقيا والشرق الأوسط.

كما يتناول التقرير ضعف التنسيق الأميركي الأوروبي، وتأثير ذلك على مستقبل التحالفات الغربية، في ظل صعود قوى دولية منافسة مثل الصين وروسيا.

ويستند التقرير إلى معطيات وتحليلات معمقة، تسلط الضوء على التحديات البنيوية التي تواجه القوة الأميركية، وتبحث في طبيعة الاستراتيجية التي يتبناها ترامب داخليًا وخارجيًا، وتأثيراتها المحتملة على مستقبل النظام العالمي.

مدخل تحليلي

في ظل التطورات العالمية المتسارعة، وبروز تكتلات دولية جديدة تُعيد رسم ملامح النظام العالمي، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، والصين، تبرز مناطق مثل إفريقيا والشرق الأوسط كمراكز تنافس جيواستراتيجي محوري.

ومع تنامي هذا الحراك، تظهر ملامح تراجع واضح في تأثير الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية المنفردة، ما يجعلها خارج خارطة التأثير الفعلي في هذه المرحلة من إعادة تشكيل التحالفات.

في هذا السياق، رصد مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث ضعف التنسيق بين الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب والدول الأوروبية، كما لاحظ تصدعات عميقة في العلاقة بين ترامب والدولة العميقة الأميركية، رغم ما يُروَّج إعلاميًا من لقاءات واتفاقيات.

كان آخرها جولته الأخيرة في الخليج العربي (السعودية، الإمارات، قطر) التي لم تتجاوز كونها صفقات تجارية تفتقر إلى البُعد الاستراتيجي، ما يؤكد أن المرحلة القادمة ستكون أكثر تعقيدًا وربما أكثر خطورة.

أولًا: الدولة العميقة – توازنات تخشى التغيير

تسعى الدولة العميقة الأميركية، بمكوناتها المتعددة من بيروقراطيات ومراكز مال وإعلام ولوبيات نفوذ، للحفاظ على بنية القوة الأميركية وفق قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية، والهيمنة الليبرالية.

صعود ترامب لم يكن نتيجة توافق استراتيجي معها، بل كان استجابة لحالة اضطراب داخلي هيكلي تمثلت في تآكل الطبقة الوسطى البيضاء وفقدان النخب التقليدية لشرعية تمثيلها الشعبي.

ثانيًا: التحديات الكبرى التي تواجه الدولة الأميركية

1. التحول الديمغرافي: الانخفاض المستمر في نسبة السكان البيض من الطبقة الوسطى جعل النخبة الأميركية في مواجهة أزمة تمثيل حقيقية.

2. الصعود الصيني: النموذج الصيني يقدم تهديدًا غير تقليدي للتفوق الأميركي عبر التفوق التكنولوجي والاستثماري بعيدًا عن الحرب المباشرة.

3. هرم الديون العالمية: استمرار سياسة التوسع المالي والديون يؤدي إلى هشاشة في البنية الاقتصادية يصعب إصلاحها دون مخاطر بنيوية.

ثالثًا: ترامب – بين خطاب التغيير وسلوك المحافظة

رغم شعاراته الثورية، فإن ترامب في الواقع يمارس سياسة الاستمرار في المسار القديم:

يُعلن رغبته في الإصلاح (السيناريو أ)، لكنه يطبق عمليًا سياسات “عدم التغيير” (السيناريو ب).

يستمر في بناء هرم الديون، ويتجنب المواجهة المفتوحة مع الصين، ويُحافظ على الوضع في أوكرانيا رغم تهديده بالانسحاب.

يحاول إرضاء قاعدته البيضاء دون تغيير حقيقي في التوازن العرقي أو الاقتصادي.

فشل في إحداث أي اختراق استراتيجي مع أوروبا أو في إعادة تشكيل التحالفات التقليدية.

زياراته الأخيرة إلى الخليج، وما رافقها من صفقات كبرى، تُظهر انحرافًا نحو الربح السريع، في غياب مشروع خارجي متماسك يعزز دور الولايات المتحدة.

رابعًا: العلاقة مع الدولة العميقة – صراع مؤجل لا شراكة دائمة

رغم بعض نقاط الالتقاء بين ترامب والدولة العميقة (خصوصًا في تفادي الإصلاح الجذري)، إلا أن جوهر العلاقة بين الطرفين يتمثل في التوتر لا التعاون.

النخب العميقة ترى في ترامب عنصر فوضى أكثر منه رجل دولة.

وترامب في المقابل لم ينجح في فرض رؤيته، بل تم استيعابه ضمن اللعبة الداخلية حتى يتم التخلص منه لاحقًا.

المنظومة تفضل “المحافظة على السلطة حتى على متن سفينة تغرق”، وستتخلص من ترامب بمجرد أن تتوفر الظروف المناسبة لعزله.

خامسًا: تفكك التحالفات – الغرب أمام مفترق طرق

يجسّد نهج ترامب عاملًا أساسيًا في تصدع الحلف الغربي.

التوترات مع كندا والمكسيك،

الخلافات مع الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا والتجارة،

التقليل من شأن المؤسسات الدولية والناتو،

كلها تضعف من موقع القيادة الأميركية للعالم الغربي. وعوض أن يُعزز ترامب نفوذ بلاده، باتت خطواته تُقوض أسس الهيمنة الأميركية نفسها، وتُسرّع من انتقال القيادة الدولية نحو الشرق.

ختاما: مرحلة انتقالية محفوفة بالمخاطر

يبدو أن صعود ترامب لم يكن بدافع توافق مع الدولة العميقة، بل كخيار اضطراري تم اللجوء إليه لتجاوز مرحلة حرجة، ما جعله يُستعمل كأداة امتصاص للأزمات لا كرؤية للإنقاذ.

ومع توالي الإخفاقات، قد يتحول ترامب إلى عبء سياسي يجب التخلص منه قبل أن يُضاعف الانقسام الداخلي أو يُقوض ما تبقى من التماسك الخارجي.

الولايات المتحدة، تحت إدارته، تفقد بوصلة القيادة، وتدخل مرحلة من التردد الاستراتيجي تُهدد بتحولات عالمية غير قابلة للسيطرة.

توصيات مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث

1. تحليل تطورات العلاقة الأميركية الأوروبية، ومراقبة فرص تجاوز الخلافات أو تصاعدها، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية.

2. متابعة مآلات التحالف الروسي-الصيني، وتداعياته على موقع الولايات المتحدة في إفريقيا والشرق الأوسط.

3. رصد مؤشرات تفكك النخب الأميركية، وقياس مدى قدرة الدولة العميقة على إنتاج قيادة بديلة قبل الانهيار.

4. التركيز على دور الخليج العربي في المعادلة الأميركية الجديدة، وتقييم تداعيات الصفقات التجارية دون رؤية إستراتيجية.

5. التحذير من عواقب تسيير المرحلة بمنطق التردد والتكتيك، ودعوة القوى الإقليمية والدولية إلى التحوط من مرحلة اضطراب أميركي قد يُفجر تحولات مفاجئة في النظام العالمي.

مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث
https://anbaaexpress.ma/1t1me

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى