آراءسياسة
أخر الأخبار

بين الخطاب والانزلاق.. قراءة نفسية، سياسية، تربوية واجتماعية في تصريحات بنكيران الشاذة

لقد سقطت الأقنعة، ولم يعد الصراخ وسيلة للإقناع. فالوطن لا يُبنى بـتصريحات  تنعث المواطنين ب"الحمير" و"الميكروبات"، بل يُبنى بالمواطنين الأحرار، العقلاء، والشركاء الحقيقيين في القرار

في مشهد سياسي متقلب حيث يهيمن الخطاب الشعبوي، تبرز شخصيات تُحدث جدلًا واسعًا ليس بسبب مواقفها فقط، بل أيضًا بسبب خطابها الصادم. من بين هؤلاء، يبرز عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، الذي لا يزال يشغل الرأي العام بتصريحاته المثيرة للجدل.

من وصف خصومه أو منتقديه او فئات معينة بـ”الميكروبات” إلى نعوت مثل “الحمير”، أصبح من الضروري إخضاع هذه التصريحات لتحليل علمي متكامل. فهل هي مجرد تعبيرات انفعالية؟ أم أنها تعكس خللًا في البنية السياسية والتواصلية؟ هذه المقالة تحاول تقديم قراءة نفسية، سياسية، اجتماعية وتربوية شاملة في هذه الظاهرة.

أولًا: البعد النفسي – خطاب العُقد والانفعال

عبد الإله بنكيران لا يتحدث بصفته رجلاً عاديًا، بل كرئيس حكومة سابق وزعيم سياسي يمثل حزبا معينا. ورغم هذا، نجده يُطلق تصريحات تتسم بالعفوية المفرطة والانفعال الحاد. وهنا تظهر بعض المعالم النفسية، منها:

– النرجسية السياسية الخفيفة، حيث يضع نفسه دائمًا في موقع الضحية أو القائد “الذي لا يُفهم”.

– الحاجة للتقدير الجماهيري، عبر دغدغة مشاعر العامة بلغة “شعبية” تُشعرهم بأنه منهم، رغم موقعه السابق في السلطة.

 – الانفعال الدفاعي الذي يبرز حين يُحاصر بالنقد، فيلجأ إلى خطاب هجومي مليء بالشتائم أو السخرية.

– آليات دفاع نفسي كلاسيكية مثل الإسقاط والتقزيم: عندما يصف منتقديه او فئة ما بـ”الميكروبات”، هو في الحقيقة يُسقط عليهم خوفه من فقدان التأثير.

ثانيًا: البعد السياسي – بين الشعبوية والتناقض

تصريحات بنكيران لا تُقرأ خارج سياقها السياسي، فهو يمارس خطابًا مزدوجًا:

– شعبوية واضحة تتمثل في استخدام لغة بسيطة وصادمة تخاطب مشاعر الشارع.

– محاولة التموقع السياسي بين الزعامة السياسية (الحكومة) والقاعدة الشعبية، حيث يلعب على التناقض ليكسب مساحة للمناورة.

– هجومه على النخب وخصومه بلغة مهينة هو سلاح انتخابي يخفي عجزًا عن تقديم خطاب عقلاني وهادئ.

رغم خبرته السياسية، يميل بنكيران إلى التصعيد اللفظي بدل التحليل المنطقي، ما يعكس أزمة في تكوينه المرتبط بالخطاب السياسي.

ثالثًا: البعد الاجتماعي – تفتيت النسيج الوطني

حين يصف بنكيران مواطنين أو منتقدين بـ”الميكروبات” أو “الحمير”، فهو لا يهاجم فردًا، بل يُهين شريحة من المجتمع. هذا النوع من الخطاب:

– يعزز الإقصاء الاجتماعي ويشجع ثقافة التنابز بالألقاب.

– يعمّق الفجوة بين السياسي والمواطن، إذ يشعر الأخير أن السياسي يحتقره ولا يحترم كرامته.

– يؤسس لثقافة التسلط اللفظي في النقاش العمومي، ويضعف الحس المدني.

– يعكس صورة مشوّهة للمواطن المغربي في الخطاب الرسمي، حيث يُعامل أحيانًا ككائن ناقص الوعي أو قابل للسخرية.

رابعًا: البعد التربوي – القدوة المُشوّهة

في مجتمع تُشكّل فيه النخبة السياسية مرجعًا أخلاقيًا ورمزيًا، تمثل تصريحات بنكيران خطرًا تربويًا حقيقيًا:

– تشوه هذه التصريحات صورة المسؤول في أعين المتعلمين، فيبدو السياسي وكأنه “مهرّج سياسي” بدل أن يكون قائدًا بالقيم.

– تتنافى مثل هذه التصريحات مع التربية على الحوار والاختلاف، حيث تُغرس بذور العنف اللفظي بدل النقد البنّاء.

– تهدم هذه التصريحات الثقة في المؤسسات، وتُحولها إلى مسرح للصراع اللفظي بدل منصة للتغيير الهادئ.

– تضعف تصريحاته التربية على المواطنة، حيث يشعر الفرد أن رأيه لا يُحترم بل يُقابل بالإهانة.

الحاجة إلى تجديد الخطاب السياسي

ما قام به عبد الإله بنكيران ليس حالة معزولة، بل هو نموذج لانزلاق خطير في الخطاب السياسي المغربي. في زمن التحولات العالمية الكبرى، والمطالب الوطنية بالإصلاح، إذ لا يمكن القبول باستمرار خطاب الإهانة والشعبوية. آن الأوان لإعادة بناء الثقافة السياسية على أسس من الاحترام، الحجة، واللغة الرصينة.

لقد سقطت الأقنعة، ولم يعد الصراخ وسيلة للإقناع. فالوطن لا يُبنى بـتصريحات تنعث المواطنين بـ “الحمير” و”الميكروبات”، بل يُبنى بالمواطنين الأحرار، العقلاء، والشركاء الحقيقيين في القرار.

https://anbaaexpress.ma/9e2ny

هشام فرجي

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى