آراءمجتمع
أخر الأخبار

الفراقشية الجدد.. نواطير الفساد ومهندسو الأزمات

في كل مجتمع آفات تتستر خلف الأقنعة وتنهش من جسد الوطن في صمت. وفي المغرب، لم يعد “الفراقشية” مجرد مصطلح قروي يطلق على بائعي الأغنام في مواسم العيد، بل تحوّل إلى توصيف رمزي لطبقة جديدة من المتحكمين في مصائر الناس، المتلاعبين بخيوط الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة، حتى غدونا أمام طبقة موازية من “المضاربين” في أحلام المواطنين ومآلاتهم، دون رقيب أو مساءلة.

لقد أصبح  الفراقشية المعاصرون أشبه بتجار العتمة، يبيعون ويشترون في كل شيء: من الشهادات الجامعية إلى المحروقات، من الأسواق اليومية إلى صحة المواطنين، حتى أصبح الوطن كمن يرقد تحت وطأة طفيليات تستنزف دمه يومًا بعد يوم.

الفراقشية في الجامعات: المتاجرة بالعلم

من بين أبرز النماذج التي فجرت الرأي العام، ما نُسب إلى بعض الأساتذة الجامعيين )واقعة أكادير نموذجا( من تورط في بيع شهادات الماستر والدكتوراه لمن لا يستحق. لم يعد الأمر مجرد حالات فردية، بل تحول إلى ظاهرة تعكس الانحدار الأخلاقي لمن يفترض أنهم حماة المعرفة. هنا يصبح العلم سلعة، والشهادة وسيلة للارتقاء الزائف على حساب الكفاءة والجدارة.

الفراقشية في دعم القطيع: الملايير في جيوب الإقطاعيين

مع موجة الغلاء وقلة التساقطات، بادرت الدولة بدعم استيراد الأضاحي لتخفيف الأزمة، لكن الدعم انتهى في جيوب قلة من المستوردين الكبار، الذين استغلوا الظرف، فربحوا الملايير، دون أن تنخفض الأسعار كما وُعد المواطن. الفلاح الصغير ظل خارج المعادلة، والمستهلك ما زال يدفع الثمن، بينما استفاد “فراقشية الدعم” من كعكة المال العام.

الفراقشية في سوق المحروقات: رفع الأسعار باسم السوق الحرة

منذ تحرير أسعار المحروقات سنة 2015، عرفنا وجوهًا جديدة من “فراقشية الطاقة”، يتحكمون في السوق تحت شعار “التنافسية”، بينما المواطن يدفع ثمن كل صعود في أسعار الغازوال والبنزين من قوته اليومي. السعر قفز من 8 إلى 15 درهمًا، رغم انخفاض البرميل عالميًا في أحيان كثيرة. لا مراقبة، لا تدخل، والربح دائمًا في جهة واحدة ألا وهي  جيوب الفراقشية الكبار.

الفراقشية في الخضر والفواكه: مضاربون بين الحقول والمائدة

الخضر والفواكه التي تعد أبسط أساسيات القفة اليومية، باتت في قبضة وسطاء فراقشية لا يرحمون. الفلاح يبيع بثمن بخس، والمستهلك يشتري بثمن نار، فيما يتوسط “الفراقشية” المشهد، يعصرون الجانبين دون شفقة. حيث هناك تقارير برلمانية تؤكد غياب التنظيم وسيطرة المضاربة، والمسؤولين يتفرجون!

الفراقشية في قطاع السيارات: رفاهية للأغنياء فقط

ارتفعت أسعار السيارات بنسبة 37% في أربع سنوات، ليصبح اقتناؤها حلمًا مستحيلًا لطبقة واسعة من المغاربة خصوصا  لمتوسطي الدخل حيث يجدون أنفسهم مجبررين على اقناء خردة السيارات ، يحضر استعمالها في الدول التي تحترم المواطن والبيئة نظرا لقدم سنها ومساهمتها الكبيرة في التلوث، بأثمنة باهضة. رغم ذلك، تستمر الماركات العالمية في البيع وتحقيق الأرباح، دون تدخل حقيقي لضبط الأسعار أو تشجيع السوق الداخلية بما يخدم الطبقة المتوسطة.

الفراقشية في الصحة: حين يصبح العلاج امتيازًا

الصحة، ذلك الحق المقدس، صارت بدورها مرتعًا لطبقة تتحكم في المواعيد، في التوظيفات، في الأدوية، في التوجيه للمستشفيات الخاصة. والمواطن البسيط يموت على أبواب المستشفيات، فيما “الفراقشية الصحيون” ينعّمون في صفقاتهم المربحة فيحققون منافع ويراكمون ثروات مستغلين فاقة وحاجة المرضى للعلاج.

الفراقشية في السياسة والانتخابات: مقاولات الأصوات وتدبير الخراب

لا يمكن أن نغفل عن واحدة من أخطر صور “الفراقشية” وأكثرها تأثيرًا على مصير الوطن: فراقشية السياسة وفراقشية الانتخابات. هؤلاء لا يمارسون السياسة كفن نبيل لخدمة الصالح العام، بل يحولونها إلى مقاولة موسمية لتكديس النفوذ والثروة. فبعضهم يتقن فن شراء الأصوات وتوزيع الوعود الوهمية، ثم ينقلب بعد الفوز إلى أداة طيّعة في يد اللوبيات الاقتصادية والزبونية. لا برامج، لا مواقف، لا رؤية، فقط “كوطة” في المجالس، وصفقات في الخفاء، وتكريس لمنطق “اشمن خدمة ديال المواطنين؟”.

إنهم فراقشية السياسة الجدد، يدخلون المجالس ولا يغادرونها إلا بعد أن يحوّلوها إلى إقطاعات خاصة، يعينون فيها الأتباع ويقصون فيها الكفاءات، يُفصّلون الميزانيات على مقاسهم ويصنعون من المناصب امتيازات لا مسؤوليات. والنتيجة: هدر للثروات،وتبخّر للثقة، وتآكل للديمقراطية.

خاتمة: هل من أمل في استعادة الوطن من قبضتهم؟

هؤلاء الفراقشية الجدد هم أعداء الشفافية، وخصوم الكفاءة، ومهندسو العبث. لا يحملون سيوفًا، بل يملكون هواتف وصفقات وأختامًا وأبوابًا خلفية. ومواجهتهم ليست هي فعلا معركة وجودية على قيم الوطن، على العدالة الاجتماعية، وعلى كرامة المواطن.

من هنا، يجب أن نستعيد أدوات المحاسبة، فنكسر حلقة الإفلات من العقاب، ونرفع صوت الوعي. آن الأوان لنُعيد تنظيم الحقل الوطني ليعود كل شيء إلى مكانه الطبيعي: أن تُكافأ الكفاءة، ويُعاقب المتحايل، وتُحمى جيوب المغاربة من جشع الإقطاعيين.

فلنرفع الصوت عاليًا: “ارحلوا أيها الفراقشية.. لقد أفسدتم الوطن”.

https://anbaaexpress.ma/nn1ja

هشام فرجي

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى