آراءسياسة
أخر الأخبار

الأردن يواجه “التّرانسفير”: كيف نطوّق “طوفان نتنياهو”؟

في الأردن من يعتبر أن "الترانسفير" من غزّة بات بعيدا أو مؤجّلا أو قد لا يحصل، لكن بالمقابل، فإن "الترانسفير" من الضفة الغربية نحو الأردن صار احتمالا تحمله مشاريع وخطط ونصوص ومواقف تصدر عن حكومة اليمين المتطرّف باعتبارها أمرا سياديا من صلب الخطاب التوراتي

راقبت عمّان بانتباه جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في منطقة الخليج العربي. تابعت مواقفه وتصريحاته في الرياض والدوحة وأبوظبي وما يمكن أن ترسمه لمستقبل المنطقة. اهتم الأردن بالتحوّل في إطلالة واشنطن الجديدة على سوريا وربما أمل أن ينسحب هذا المزاج على “خبر سعيد” يتعلّق بالقضية الفلسطينية.

يكفي التجوّل في شوارع عاصمة المملكة لاستنتاج هذه العلاقة البنيوية في الخلطة المجتمعية التي يقوم عليها الأردن. ويكفي قليل من الاصغاء لأهل البلد لتلمّس الهاجس الذي يكاد يكون وجوديا من ذلك الذي يدبّر “غرب النهر”.

لم يصدر عن ترامب، على الرغم مما يروّج عن توتر في علاقته ترامب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ما يشي بأن واشنطن ذاهبة إلى مقاربة أخرى تنهي مأساة غزّة وتعبّد الطريق لمخارج لقضية تحاصرها السدود. يقول مصدر قريب من أصحاب القرار في الأردن إن عمّان ترصد قيام واشنطن بإبرام اتفاق مع الحوثيين لوقف إطلاق النار قد لا يشمل إسرائيل، وقرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا على الرغم من هواجس إسرائيل، وتدبّر الأميركيين اتفاقا مع حركة حماس يحرر رهينة أميركية في غزة بشكل مستقل عن إسرائيل، وتصريحات المبعوث القريب من ترامب، ستيف ويتكوف، الذي يتحدث عن حرب لا تريد إسرائيل إنهاءها. ومع ذلك فإن ذلك التوتّر في علاقة ترامب-نتنياهو قد يكون عرضيا.

أحد المترددين على جلسات يعقدها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الكتّاب ًالصحفيين يشرح بإسهاب عن جهود يبذلها ومواقف يتّخذها الملك، حتى داخل هياكل الإدارة الأميركية للتخفيف من شطط في توجهات واشنطن حيال فلسطين.

يتردد أن ترامب كان بصدد إعلان الاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية، وأنه لم يفعل حتى الآن بسبب ما أدلى به الملك في اجتماعاته في البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون وغرف “الدولة العميقة”. ومع ذلك، فإن الأمر ما زال وارداً.

يشرح لي بإسهاب أحد الكادرات الفلسطينية المرموقة القادم من رام الله تفاصيل التفاصيل عما تدبّره إسرائيل على الأرض لتنفيذ قرار قد يصدر، إذا ما توفًرت ظروفه، بتهجير الفلسطينيين نحو الأردن. باتت البوابات التي تقفل بها سلطات الإحتلال الطرق بين المدن تحاصر القرى والحارات الصغيرة. قال إن رحلة تستغرق 5 دقائق باتت يحتاج إنجازها إلى 3 ساعات، وأن خرائط المشهد توحي أن عملية نقل الناس لعبور الجسر بين الضفتين باتت لوجيستيا ناجزة لا تحتاج إلا إلى قرار سياسي.

في الأردن من يعتبر أن “الترانسفير” من غزّة بات بعيدا أو مؤجّلا أو قد لا يحصل، لكن بالمقابل، فإن “الترانسفير” من الضفة الغربية نحو الأردن صار احتمالا تحمله مشاريع وخطط ونصوص ومواقف تصدر عن حكومة اليمين المتطرّف باعتبارها أمرا سياديا من صلب الخطاب التوراتي.

فإذا ما اعترف ترامب بالضفة الغربية بصفتها “يهودا والسامرة” كما اعترف بالقدس عاصمة وبسيادة إسرائيل على الجولان، فيصبح مصير فلسطينيي الضفة رهن خطط إسرائيل في إدارة منطقة جزء من الدولة وحقّ من حقوقها.

يضيف مصدر أردني أن نتنياهو يميل إلى حلّ الدولتين وفق خريطة أخرى. دولة إسرائيلية تتمدد لتسيطر على كافة أراضي الضفة الغربية ودولة غزّة. وهذا يعني أن المشروع يعيد إنعاش مقولات قديمة بشأن الأردن الوطن البديل. ولئن لا تبدو الأمور واضحة المعالم، غير أن التحوّلات الجيوستراتيجية الهائلة التي تشهدها المنطقة في السنوات، وخصوصا الأشهر، الأخيرة لا تستبعد مزيدا من التحوّلات الدراماتيكية.

قال لي أحد المشتغلين على ملف فلسطين في الأردن إن ترامب سمع في كلمات رؤساء وفود دول مجلس التعاون الخليجي الست في القمة التي عقدت الرياض رسالة موحدة وكأنها صادرة عن مصدر واحد تركّز على “حل الدولتين” لإرساء تسوية سلام في المنطقة ما فتئ الرئيس الأميركي يبشّر به منذ ولايته الأولى.

يضيف المصدر الأردني أن ترامب سمع رسائل المنطقة التي باتت أكثر عنادا، وخصوصا بعد “طوفان الأقصى” بأن الحلّ بكمن بإقامة دولة الفلسطينيين في فلسطين وليس في جغرافيا أخرى تنال من منعة الأردن واستقراره.

يقرّ مصدر في عمّان متابع للشؤون الفلسطينية أن شيئا ما يتحرّك ببطء في داخل إسرائيل. يرى في المؤتمر الذي عقد الأسبوع الماضي في القدس بشأن السلام تفصيلا مهما وإن ظهر أنه خطوة على طريق الألف ميل. قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت ووزير الخارجية الأسبق للسلطة الفلسطينية ناصر القدوة خطتهما للسلام وسط آلاف من الحضور.

تتحدث الأنباء عن مؤتمر آخر سيعقد برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وأن الأمر تحضير لمؤتمر برعاية فرنسية سعودية مشتركة سيعقد في نيويورك لاحقا قد تعلن فيه فرنسا اعترافا بالدولة الفلسطينية. بمعنى آخر يضيف المصدر لا يمكن أن تتحرك الأمور باتجاه إيجابي من دون شركاء في إسرائيل وأن لا شيء سيتغير في إسرائيل إلا عبر الانتخابات.

في الأردن تعويل على انتخابات عام 2026 الإسرائيلية. يرصدون باهتمام تقدما محتملا قد تسجله أحزاب الوسط واليسار والتجمعات المدنية لمنع أي تحالف حكومي لليمين المتطرّف. المرحلة تتطلب التخلّص من نتنياهو وإخراجه من المشهد لتتولى المحاكم القيام بالباقي. لكن اللافت أن تحسّن موقع المعسكر المضاد لليكود وحلفائه لن يكون فاعلا إلا عبر تكبير حصّة الأحزاب العربية داخل الكنيست المقبل.

يسّر لي أحد العارفين أن ناشطين فلسطينيين وأردنيين يعملون على توفير أجواء الوفاق بين تلك الأحزاب التي سبق أن سجلت اختراقا لافتا حين توحّدت وخسرت رصيدا ومقاعد حين انقسمت.

في الأردن غرف عمليات ناشطة فلسطينية وأردنية، رسمية وأهلية، تعملّ بصمت وبدأب على منع “الطوفان” وردّ ارتداداته.

فالقدس ليست بعيدة من عمّان واستقرار المملكة ينهل قوته من استقرار الدول المحيطة. كانت عمّان من العواصم التي أقبلت على تحوّلات سوريا وصفقت لقرار ترامب برفع العقوبات عن هذا البلد. وتنشط عمّان هذه الأيام على كافة المستويات ابتداء من المؤسسة الملكية لتغيير مسار ما يريده نتنياهو أن يكون قدرا على المنطقة.

https://anbaaexpress.ma/ex6bj

محمد قواص

صحافي وكاتب سياسي لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى