الشرق الأوسطمجتمع
أخر الأخبار

غزة في عيد العمال.. صرخة عامل من بين ركام الحرب

منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، تحولت حياتنا إلى جحيم لا يطاق..

غزة: نسرين موسى

في هذا اليوم الذي يحتفي فيه العالم بعطاء العمال وكفاحهم، يرتفع في قطاع غزة صوت آخر، صوت يغلبه الحزن واليأس. صوت رجل غريب، اخترق أسماعنا من وراء جدار الخيمة الرقيقة التي لا تحمينا من قسوة الظروف.

لم أعرفه باسمه، لكن صدى كلماته لا يزال يرن في أذني: “بحياة بناتي الأربعة، أريد أن أعمل بالحلال.”

هذا النداء البائس لم يكن مجرد صرخة فردية، بل كان تلخيصًا مروعًا للواقع الذي فرضه شبح الحرب على كل مناحي الحياة في غزة، وخاصة على عمالها.

منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، تحولت حياتنا إلى جحيم لا يطاق.

الحرب الشرسة التي لم ترحم بشرًا ولا حجرًا، تركت بصماتها القاتمة على كل زاوية من زوايا القطاع المحاصر.

قبل الحرب، كان العمال في غزة يعانون بالفعل من أوضاع اقتصادية صعبة، نتيجة سنوات طويلة من الحصار والقيود المفروضة على الحركة والتجارة. لكن مع اندلاع الحرب، تفاقمت الأوضاع بشكل كارثي.

المصانع دمرت، الورش أغلقت، الأراضي الزراعية أصبحت مناطق خطر، ومشاريع البناء توقفت تحت وطأة القصف المستمر.

عمال البناء الذين كانوا يرفعون القواعد ويشيّدون المنازل، وجدوا أنفسهم بلا عمل، بل وأصبحوا في مرمى النيران وهم يحاولون البحث عن مأوى لأنفسهم وعائلاتهم.

عمال الزراعة الذين كانوا يزرعون الأرض ويطعمون أهلها، لم يتمكنوا من الوصول إلى أراضيهم خوفًا من صواريخ الاحتلال التي لا تميز بين مزارع وأرضه.

الصيادون الذين كانوا يجلبون الخير من البحر، مُنعوا من ممارسة مهنتهم، وتحول البحر إلى ساحة للمراقبة العسكرية.

حتى أولئك الذين كانوا يعملون في وظائف حكومية أو خاصة، لم يسلموا من تبعات الحرب، فالعديد من المؤسسات والشركات دمرت أو أغلقت أبوابها، والموظفون لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور طويلة، ليجدوا أنفسهم عاجزين عن توفير أبسط مقومات الحياة لأسرهم.

توقف تدفق المساعدات بشكل كبير، وهو شريان الحياة الهش الذي كان يعتمد عليه الكثيرون.

ومع ارتفاع الأسعار الجنوني ونقص السلع الأساسية، أصبح الحصول على الطعام والماء النظيف حلمًا بعيد المنال.

كيف يواجه هؤلاء العمال جوع أطفالهم؟ الإجابة، بكسرة خبز يابسة قد لا تتكرر إلا مرة واحدة في اليوم.

في عيد العمال هذا العام، لا يوجد في غزة احتفال ولا تكريم.

لا يوجد سوى صمت ثقيل يخيم على الأجواء، وصرخات مكتومة تنبعث من بين الأنقاض.

عمال غزة ليسوا في إجازة سعيدة، بل في بطالة قسرية فرضتها عليهم الحرب والدمار.

إنها إجازة طويلة بلا أفق، إجازة قوامها الخوف والجوع وفقدان الأمل.

الرجل الذي سمعت ندائه اليائس، يعرض خدماته البسيطة في محاولة يائسة للحفاظ على كرامته وإعالة بناته، حاله ليس فريدًا، بل هو انعكاس لحال عشرات الآلاف من العمال في غزة الذين تحولوا بين عشية وضحاها إلى متسولين يبحثون عن أي عمل يسد رمقهم.

بينما تحتفل دول العالم بعيد العمال، وتناقش حقوقهم وتطالب بتحسين ظروف عملهم، يقف عمال غزة في خيام النزوح، أو بين ركام منازلهم المدمرة، يتساءلون عن مصيرهم ومصير أطفالهم.

عيد عمال حزين يمر على قطاع غزة، ليشهد العالم على جريمة حرب مكتملة الأركان، حرب لم تدمر الحجر فحسب، بل دمرت الإنسان وقدرته على العمل والحياة بكرامة.

صرخة هذا العامل المجهول هي صرخة أمة بأكملها، تطالب بالعدل والسلام، وبالحق في العمل والحياة بحرية على أرضها.

* صحافية وكاتبة فلسطينية

https://anbaaexpress.ma/n3m5x

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى