آراءتقاريرسياسة
أخر الأخبار

دراسة تحليلية.. تحالفات ما بعد الانقسام الكبير: روسيا – أمريكا وإعادة تشكيل المشهد الإقليمي

تحولات جيواستراتيجية كبرى: روسيا وأمريكا يعيدان رسم خارطة التحالفات الإقليمية من إفريقيا إلى الخليج

تشهد الساحة الدولية تحولات عميقة في طبيعة التحالفات الجيوسياسية، في ظل إعادة تموضع القوى الكبرى، وتبدّل أولوياتها الاستراتيجية، واستثمارها في مناطق نفوذ جديدة.

وفي هذا الإطار، تبرز زيارتان متزامنتان تكشفان عن اتجاهات هذه التحولات: احتفالات عيد النصر في موسكو، التي استضافت عددًا من الزعماء الأفارقة، وزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخليج، بدءًا من السعودية.

تبحث هذه الدراسة في رمزية الحدثين، وتحلّل ملامح الاصطفاف الدولي الجديد، مع التركيز على التحولات التي تشهدها العلاقة بين القوى الكبرى ودول الجنوب، لاسيما في إفريقيا والشرق الأوسط.

لم تكن احتفالات عيد النصر في موسكو هذا العام مجرد استذكار تاريخي لانتصار سابق، بل كانت في عمقها لحظة سياسية كثيفة الدلالات.

في قلب الساحة الحمراء، وقف قادة أفارقة إلى جانب الرئيس فلاديمير بوتين، لا باعتبارهم حلفاء تاريخيين لروسيا، بل بصفتهم شركاء جدد في عالم يعاد ترتيبه وفق موازين جديدة.

اختار الكرملين بعناية ضيوفه من القارة السمراء. لم يكن حضور هؤلاء القادة بروتوكوليًا بقدر ما كان إعلانًا ضمنيًا عن نية روسيا التوسع في فضاءات كانت إلى وقت قريب خاضعة للنفوذ الغربي وحده.

لقد بدأت موسكو بذكاء بناء شبكات تأثير في إفريقيا، عبر الدعم الأمني، والاتفاقات الاقتصادية، والتعاون العسكري، مستغلة الفراغ الذي تركته القوى الغربية بانسحابها أو بترددها.

بالمقابل، وفي لحظة جيوسياسية موازية، حلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيارة مثيرة للانتباه إلى السعودية، في جولة خليجية تحمل دلالات متعددة.

ورغم رجوعه إلى السلطة، فإن هذه الخطوة تعكس رغبة تيارات نافذة داخل الولايات المتحدة في الحفاظ على عمق العلاقات الاستراتيجية مع الحلفاء التقليديين في الخليج، بل وربما إعادة صوغها بما يتجاوز مقاربات الإدارة الحالية بقيادة ترامب.

هذان المشهدان: “الإفريقي الروسي والخليجي الأمريكي” ليسا مجرد تحركات دبلوماسية معزولة، بل جزء من عملية أعمق: إعادة توزيع الثقة بين القوى الكبرى والدول الإقليمية.

ما نشاهده الآن هو ميلاد تكتلات جديدة عابرة للتحالفات التقليدية، تفرضها الضرورات الاقتصادية والجيوسياسية، وتحركها الطموحات الصاعدة لدى عدد من الأنظمة.

روسيا تبحث عن شركاء يساندون رؤيتها لعالم متعدد الأقطاب، وتجد ضالتها في أنظمة إفريقية متمردة على الهيمنة الغربية، بينما تسعى واشنطن إلى لملمة نفوذها في الخليج عبر أدوات ناعمة وشخصيات نافذة لا تزال تحتفظ بعلاقات قوية في المنطقة.

في هذا السياق، تُطرح أسئلة جوهرية: من سيبقى ضمن دائرة الثقة الكبرى؟ من سيتحول إلى حليف من الدرجة الثانية؟ وأي الدول ستصعد لتكون ركيزة لمحور جديد يُراد له أن يوازن أو يعاكس محاور قائمة؟

المفارقة أن هذه التحولات لا تخضع لمنطق الأيديولوجيا أو التاريخ، بل تُبنى على ما يمكن أن تقدمه الدول من أوراق قوة: موقع استراتيجي، موارد طبيعية، استقرار سياسي، أو قابلية للتماهي مع مشاريع جيوسياسية كبرى.

ولعل هذا ما يفسر سحب الثقة من بعض الأنظمة التي طالما اعتبرت نفسها حليفة مضمونة، ومنحها لأنظمة جديدة بدأت تبني سرديتها الخاصة وتطرح نفسها كقوة صاعدة.

نحن أمام منعطف تاريخي تعيد فيه القوى الكبرى توزيع خرائط النفوذ. لم تعد الولاءات القديمة كافية، ولا الشعارات وحدها تؤمن الحماية أو الامتيازات.

إنه زمن الواقعية السياسية بامتياز، حيث البقاء للأكثر نفعًا، والأكثر قدرة على التكيف مع متغيرات نظام عالمي يُعاد تشكيله تحت عناوين السيادة، والطاقة، والتحكم في الممرات الحيوية.

وفي هذا الزمن، سيكون على الدول التي تريد أن تكون فاعلة، لا مفعولًا بها، أن تدرك أن مشهد التحالفات يتغير، وأنها إن لم تُعد تموضعها في لحظة التحولات، قد تجد نفسها خارج دوائر القرار، أو في أحسن الأحوال، على هامش التكتلات الجديدة.

ختامًا توصيات: تدل المؤشرات الحالية على بداية مرحلة انتقالية في النظام العالمي، تُبنى فيها التحالفات على أساس نفعية ومرونة سياسية، بدلًا من الثوابت القديمة.

توصي هذه الدراسة الحصرية لمركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث بما يلي:

1. على الدول الإفريقية والعربية الانتباه لرهانات الاصطفاف الجديد، وتطوير دبلوماسية متعددة الأبعاد.

2. تعزيز القدرات الذاتية للدول بما يسمح لها بالتفاوض من موقع قوة، لا التبعية.

3. متابعة التغيرات في السياسات الخارجية للقوى الكبرى، خصوصًا روسيا، أمريكا، والصين، والتعامل معها بواقعية استباقية.

4. العمل على تطوير الشراكات جنوب-جنوب، خصوصًا بين الدول الإفريقية والعربية، على قاعدة المصالح المشتركة والتكامل الإقليمي، بما يشكل بديلا واقعيًا عن الارتهان لقوى خارجية.

5. الاستثمار في الآليات الإقليمية لتعزيز الحوار والتنسيق الأمني والاقتصادي، بهدف تحصين الجبهة الداخلية في وجه الضغوط الخارجية.

6. عدم الانخراط في صراعات المحاور الدولية أو الانجرار وراء ترهات الاستقطاب الجيوسياسي، والتركيز بدلًا من ذلك على ترسيخ السيادة الوطنية وخدمة المصالح الاستراتيجية.

* مركز أنباء إكسبريس للدراسات والأبحاث

https://anbaaexpress.ma/eqfw7

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أرى أن رقعة الشطرنج بين الدول الأعضاء الدائمة ككعكة عيد ميلاد جديد لحقبة جديدة بدراسة استراتيجية و خارطة طريق لمستقبل سياسات ما وراء الذكاء الاصطناعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى