بدر شاشا
في زمن التحول الرقمي والتدفق الهائل للمحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت حياتنا الخاصة أقرب إلى الشاشات من أن تبقى في غرفها المغلقة.
لم نعد نحتاج إلى وسائل إعلام كبرى كي نعرف ماذا يدور في بيوت الناس، فـ”الروتين اليومي” لبعض النساء كافٍ ليكشف لنا أسرار البيوت، تفاصيل الخلافات، لحظات الفرح، وحتى صراعات الطلاق والانهيار الأسري.
لم تعد الرقصة في الشارع أو الفصل الدراسي مشهداً غريباً. لم يعد اللباس الفاضح مستهجناً. تحوّلت المنصات الرقمية إلى مسرح مفتوح لكل من شاء أن يرقص، يشتم، يستعرض، يبتز، أو حتى يطلب تعبئة للهاتف. بين من يتقمص دور المريض أو المحتاج، ومن يعرض مآسيه بغرض الاستعطاف، وبين من يستغل الحاجة ليحتال باسم المعاناة، بات الفضاء الافتراضي يعج بالمتناقضات.
ظاهرة “نساء الروتين اليومي” لم تعد مجرد تسلية. إنها انعكاس لتحولات اجتماعية ونفسية عميقة. أين حدود الحياء؟ أين مفهوم الخصوصية؟ ومتى تحوّل الكفاح من أجل لقمة العيش إلى عرض لا أخلاقي في قالب رقمي؟
نشهد أيضاً انتشار القمار، الترويج للخمر، العلاقات السامة، الشتائم، بل حتى التماس الشفاء في تعاليق تحت منشورات لا علاقة لها بالدين أو الطب. تحوّل الألم إلى فرجة، والصراع إلى ترند، والمشاكل الأسرية إلى حكايات يتداولها الغرباء كأنها مادة ترفيهية.
المؤسف أن هذا الانزلاق يحدث تحت أعين الجميع، وفي أحيان كثيرة بمباركة من منصات تبحث فقط عن المشاهدات والإعلانات.
إننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى مراجعة جماعية. إلى وقفة تربوية، إعلامية، دينية، وقانونية. نحتاج إلى خطاب جديد يعيد الاعتبار للقيم، يضع ضوابط للاستخدام، ويحيي فينا ما اندثر من الحياء.
ليس كل ما يُعرض يُحترم، وليس كل ما يُشاهد يُحتذى به. فالمجتمع الذي يحول أزماته إلى مشاهد استهلاكية، قد يفقد بوصلة الإصلاح، ويغرق في فوضى المعنى.