حديث الساعةسياسة
أخر الأخبار

الجزائر.. حتى القديس أوغسطين أرادوا سرقته لتغطية عزلتها

القديس أوغسطين، ابن الحضارة اللاتينية، تحوّله الجزائر زورًا إلى “رمز وطني” لتصريف أزمتها الداخلية

في أول خطاب علني له بعد تنصيبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، أثار البابا الجديد، ليو الرابع عشر، موجة اهتمام لاهوتي وفلسفي، حين أعلن أنه “أوغسطيني المنهج”، في إشارة مباشرة إلى تأثره بفكر القديس أوغسطين، أحد أعظم أعلام المسيحية في التاريخ.

لكن، وبشكل مثير للسخرية، لم تنتظر الجزائر طويلاً حتى تحاول الركوب على هذا التصريح، مدعية أن أوغسطين “جزائري الأصل”، وكأن التاريخ يكتب على مقاس الخرائط الحديثة!

القديس أوغسطين، أو بالأحرى أوريليوس أوغسطينوس، وُلد سنة 354م في طاغست، وهي بلدة رومانية تابعة حينها لمقاطعة نوميديا، إحدى إيالات الإمبراطورية الرومانية.

لا وجود للكيان الجزائري حينها، بل حتى اسم “الجزائر” لم يُطلق إلا بعد سنة 1830، وتحوّل إلى دولة مستقلة في 1962.

لذا، فإن نسبة أوغسطين إلى الجزائر لا تختلف كثيراً عن محاولة نسب الفلاسفة الفرنسيين المولودين في فترة الاستعمار الفرنسي إلى هذه الدولة الوليدة، أو الادعاء بوجود 64 ألف إماراتي يشتغلون في حقول البطاطا الجزائرية!

الوقائع التاريخية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن عائلة أوغسطين كانت رومانية، تنتمي لطبقة النبلاء، وتحمل اسم “أوريليوس”، المرتبط بأرستقراطية اللاتين. والده باتريسيوس، ووالدته مونيكا، وأخوه نافيجيوس، وأخته بيربيتوا، كلهم أسماء لاتينية لعائلة تتحدث باللاتينية داخل بيتها، كما توثق ذلك كتابات أوغسطين نفسه ومؤرخو العصور المسيحية المبكرة.

فهل بعد هذا التشبّع بالهوية اللاتينية يمكننا القبول بتزوير فجّ يقدمه البعض اليوم تحت شعار “القديس الجزائري”؟

الأكثر إدهاشاً أن البعض في الجزائر يحاول تأويل عبارة “روماني إفريقي” الواردة في وصف أوغسطين بأنها تشير إلى “أمازيغيته”، متغافلين عن أن هذا الوصف استُعمل في تلك الفترة للدلالة على المستوطنين الرومان في إفريقيا، كما هو حال أبوليوس وبونتيسيانوس وغيرهم من أبناء الإمبراطورية.

فالتاريخ لا يُبنى على العواطف ولا على الأجندات السياسية الضيقة، بل على الحقائق الموثقة.

تصريح البابا الجديد لم يكن موجهاً للجزائر، بل جاء برسالة رمزية للكنيسة الغربية، تؤكد استمرار العمق اللاهوتي اللاتيني رغم جنسيته الأميركية.

والواقع أن حديث البابا الجديد عن القديس أوغسطين ليس حدثًا غير مسبوق كما حاول البعض تصويره، بل يأتي في سياق لاهوتي طبيعي، لأن أوغسطين يُعد من أعمدة الكنيسة اللاتينية.

وقد أراد البابا ليو الرابع عشر، من خلال إعلان تبنّيه لمنهج أوغسطين، أن يوجّه رسالة تطمين إلى الأوساط الكنسية التقليدية في أوروبا، مفادها أنه رغم كونه أول بابا أمريكي، فإنه وفيّ للتراث اللاهوتي اللاتيني، ولا ينوي القطيعة مع إرث آباء الكنيسة العظام.

لكن الجزائر، كعادتها، التقطت العبارة خارج سياقها لتسوقها ضمن حملتها المألوفة لتزوير التاريخ.

بالإضافة الجزائر، في سعيها للهروب من عزلتها السياسية والدبلوماسية، تحاول استغلال أي منفذ لخلق حدث مصطنع وإعادة تسويق ذاتها كمركز “للروحانية الإفريقية”، وهي التي تعيش واحدة من أكبر الأزمات الوجودية في تاريخها المعاصر.

من سرق القفطان المغربي ونسب الزليج الأندلسي لنفسه، لا يستغرب أن يسطو على أوغسطين اللاتيني، في محاولة بائسة لإعادة كتابة التاريخ وفق حسابات أيديولوجية مهترئة.

https://anbaaexpress.ma/i5r61

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

تعليق واحد

  1. ما امت الا مجرد مغربي راكع بن ؤاكع ابا عن جد …حقود وقلبط اسود … لقد ولدتم بالطفرات …لماذا لونك بني ، يشبه الرماد…لانك سنغالي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى