آراءمجتمع
أخر الأخبار

ثقافة الخوف في المجتمعات الدينية.. كيف تؤثر على الفرد والمجتمع؟

من النتائج المباشرة لهذا الخطاب التخويفي هو نزوع البعض إلى النفور من الدين أو رفضه كليًا، بينما قد يلتزم آخرون بمظاهر شكلية دون فهم حقيقي أو وعي ديني متزن..

عندما نفكر في الدين، عادة ما تتبادر إلى أذهاننا مفاهيم مثل السلام، الطمأنينة، والمحبة. لكن الحقيقة أن في كثير من الأحيان، تتحول العلاقة بين الإنسان ودينه إلى تجربة غارقة في الخوف والقلق، خاصة حين يُستخدم الخوف كأداة لترسيخ سلطة رجال الدين على النفوس والعقول.

ثقافة الخوف ليست ظاهرة جديدة؛ بل هي ظاهرة متجذرة في تاريخ البشرية، حيث استُخدمت لأغراض مختلفة، منها تنظيم المجتمعات وفرض الانضباط، وحتى السيطرة على الأفراد. لكن ما يحدث في بعض المجتمعات الدينية، أن الخوف لم يعد مجرد وسيلة، بل تحوّل إلى غاية في حد ذاته، وأصبح الخطاب الديني محكوماً بآليات ترهيب متكررة لا تنفك تذكر بالعقاب والنار والعذاب.

هذا الخطاب يخلق في ذهن الإنسان صورة مشوهة عن الدين، فيُختزل إلى سلسلة من التهديدات والوعيد المستمر، بعيدًا عن جوهر الرسالة التي تدعو إلى السلام والرحمة. ويُترك الفرد في حالة مستمرة من القلق النفسي والتوتر، إذ لا يكاد يشعر بالراحة الروحية، بل يظل متوجسًا من عواقب أي زلة أو خطأ قد يرتكبه.

لا يقتصر تأثير هذه الثقافة على الفرد فقط، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره. ففي بيئة تسودها ثقافة الخوف، يصبح من الصعب على الناس أن يعبروا عن أفكارهم أو أن يناقشوا قناعاتهم بحرية. ينتشر نوع من الرقابة الذاتية التي تمنع الحوار والنقاش المفتوح، مما يؤدي إلى انغلاق فكري واجتماعي يجعل المجتمع أقل قدرة على التطور أو الابتكار.

ومن جانب آخر، تؤدي هذه الثقافة إلى إنتاج وعي جماعي هش، متقوقع على نفسه، يعتمد على الطاعة العمياء ويخشى الاختلاف والابتكار. وهذا لا يخدم مصلحة الدين، بل يغذي نوعًا من الجمود الفكري الذي ينعكس سلبًا على الحياة الاجتماعية والسياسية أيضًا.

وللأسف، من النتائج المباشرة لهذا الخطاب التخويفي هو نزوع البعض إلى النفور من الدين أو رفضه كليًا، بينما قد يلتزم آخرون بمظاهر شكلية دون فهم حقيقي أو وعي ديني متزن، مما يؤدي إلى مجتمع متصدع على صعيد الروحانيات والعلاقات الاجتماعية.

هل يمكن أن نتصور دينًا يخلو من الرحمة والحب؟ هل يمكن أن تكون علاقة الإنسان بخالقه قائمة فقط على الخوف؟ إن هذا السؤال يفتح بابًا هامًا لإعادة التفكير في طريقة تقديم الخطاب الديني، وكيف يمكن أن يتحول من خطاب ترهيب إلى خطاب بناء، يعتمد على التسامح، الرحمة، والتفهّم.

إن إعادة قراءة النصوص الدينية بمنظور رحيم وإنساني، وتقديم صورة الله كرحمن رحيم يغلب عليه العفو والمحبة، ليست رفاهية فكرية فقط، بل ضرورة حياتية لضمان استقرار الفرد والمجتمع على حد سواء. فالإنسان في حاجة إلى أن يشعر بالأمان في علاقته بالله ليكون قادرًا على مواجهة تحديات الحياة بثقة وطمأنينة.

وفي النهاية، لا يجب أن يغيب عن بالنا أن الدين هو رسالة سلام وطمأنينة، ولا يجوز أن يتحول إلى أداة للخوف والتوتر. وإذا أردنا مجتمعات قوية ومتراصة، يجب أن نعيد التفكير في الثقافة التي نزرعها في قلوب الناس، وأن نمنحهم فرصة لفهم دينهم بعيون الرحمة لا بعيون الخوف.

https://anbaaexpress.ma/x2mkj

محمد بوفتاس

كاتب صحفي وسيناريست مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى