تقاريرحديث الساعة
أخر الأخبار

المغرب ومعادلة السيادة والدبلوماسية.. البصمة الملكية في هندسة العمق الإفريقي

الدبلوماسية الملكية ليست مفهوماً جديداً، بل هي امتداد لتاريخ عريق من الحضور المغربي في الساحة الدولية، وقد أعطاها الملك محمد السادس نفساً جديداً، جعل منها مؤسسة فعّالة تنتج القرار وتوجه الفعل الدبلوماسي في انسجام تام مع باقي مؤسسات الدولة..

المغرب.. المملكة العريقة ورؤية الدولة الأمة

المملكة المغربية، بحضارتها الضاربة في عمق التاريخ لأكثر من 12 قرناً، ليست مجرد كيان سياسي ضمن خرائط العالم، بل هي نموذج لدولة-أمة حافظت على استمراريتها عبر الأجيال، تحت راية مؤسسة ملكية موحدة، استطاعت أن توفق بين الأصالة والتحديث، وبين الثوابت الوطنية والتحولات الدولية.

يتميّز المغرب بخصوصيته السياسية التي تتجلى في عمق شرعية الملكية الدينية والتاريخية والدستورية، وهو ما يجعل من المؤسسة الملكية الفاعل المحوري في توجيه السياسات الكبرى، وفي مقدمتها السياسة الخارجية للمملكة.

في سياق إقليمي متقلب، ودولي شديد التعقيد، يشكل المغرب استثناءً في منطق الاستقرار، ووضعاً متقدماً في منطق الشراكات، بفضل حنكة قيادته وعلى رأسها جلالة الملك محمد السادس، الذي أعاد صياغة ملامح الحضور المغربي خارجياً، مستنداً إلى رصيد حضاري، وإلى رؤية واقعية، ودبلوماسية هادئة، ولكن حاسمة.

هذا المدخل هو مفتاح لفهم طبيعة الدبلوماسية الملكية التي تشكل اليوم عنواناً بارزاً لمكانة المغرب في إفريقيا والعالم، ليس فقط كفاعل، بل كصانع توازنات، ومصدر للثقة، ومنصة للحلول.

الدبلوماسية الملكية المغربية.. ثوابت السيادة وبوصلة إفريقيا

لا يمكن الحديث عن الإنجازات الدبلوماسية للمملكة المغربية دون الوقوف بإجلال أمام المؤسسة الملكية، باعتبارها القلب النابض والمحرك الأساسي للسياسة الخارجية المغربية.

فالدبلوماسية الملكية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، ليست مجرد تحركات ظرفية، بل هي رؤية استراتيجية عميقة، تراهن على التموقع الذكي للمغرب في محيطه القاري والدولي، عبر مبادئ الواقعية، والتوازن، والسيادة المستقلة في اتخاذ القرار.

الدبلوماسية الملكية: تأصيل المفهوم ومأسسة الرؤية

الدبلوماسية الملكية ليست مفهوماً جديداً، بل هي امتداد لتاريخ عريق من الحضور المغربي في الساحة الدولية، وقد أعطاها الملك محمد السادس نفساً جديداً، جعل منها مؤسسة فعّالة تنتج القرار وتوجه الفعل الدبلوماسي في انسجام تام مع باقي مؤسسات الدولة، وعلى رأسها وزارة الشؤون الخارجية التي، وإن كانت الوزارة الوصية تقنيا تبقى خاضعة للتوجيهات الملكية باعتبار القصر هو من يرسم معالم السياسة الخارجية للبلاد، على المدى القصير، المتوسط والبعيد.

من هنا، يتضح جليا فإن كل إنجاز تحققه المملكة على المستوى الدبلوماسي، يعود أساساً لحنكة القيادة الملكية، ولرؤية جلالته الثاقبة في إدارة العلاقات الدولية وتحديد أولويات التحرك الخارجي.

الرؤية الملكية: صمّام الأمان وصانعة التوازن بين الأمن والدبلوماسية

لقد أثبتت السياسة الملكية، عبر مختلف المحطات، أنها الضامن الحقيقي لأمن واستقرار المملكة المغربية. ففي عالم مضطرب، وأمام أزمات إقليمية ودولية متلاحقة، برز المغرب كاستثناء صامد، بفضل حكمة القيادة الملكية التي نسجت موازنة دقيقة بين الحفاظ على الاستقرار الداخلي وتعزيز حضور المغرب الخارجي.

إن ما يتحقق اليوم من إنجازات نوعية، سواء على المستوى الأمني، أو في مجال السياسة الخارجية والدبلوماسية، أو حتى في السياسات التنموية والاقتصادية، ليس سوى ثمرة رؤية ملكية استراتيجية شاملة، تُدار بتوجيه مباشر من جلالة الملك محمد السادس، باعتباره قائد الدولة، وراعي أمنها، وصاحب القرار السيادي الأعلى.

وهكذا، تبقى المؤسسة الملكية ليست فقط حامية للثوابت، بل صانعة للتحولات، وموجهة لكل مؤسسات الدولة، في انسجام تام بين الأمن والدبلوماسية والتنمية.

الدبلوماسية الملكية الجديدة اتجاه إفريقيا

تميزت السياسة الخارجية المغربية في عهد جلالة الملك محمد السادس بانفتاح قوي على العمق الإفريقي، حيث أعاد المغرب صياغة علاقاته بالقارة على أساس الشراكة، والتعاون، والتنمية المشتركة، بدلاً من المنطق التقليدي القائم على المساعدات المشروطة أو التنافس الجيوسياسي.

وكان قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي محطة مفصلية في هذا التحول، حيث جاء محمولاً بقناعة راسخة بضرورة استعادة المغرب لمكانته التاريخية في المنظومة الإفريقية، وتعزيز حضوره داخل الكتل والمؤسسات القارية.

1- إفريقيا: المحور الاستراتيجي للسياسة الملكية

منذ بدايات الألفية الثالثة، أطلق جلالة الملك محمد السادس دينامية جديدة باتجاه العمق الإفريقي، إدراكاً منه بأن المغرب لا يمكن أن يكون قوياً دون عودة فعلية إلى بيئته الطبيعية: إفريقيا.

وقد تجلت هذه العودة في مستويات متعددة، بدءاً من القرار السيادي والجريء بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي، بعد سنوات من الانسحاب المبدئي، مروراً بتكريس شراكات ثنائية مع دول القارة جنوب الصحراء، ووصولاً إلى قيادة مشاريع اقتصادية وتنموية كبرى تعكس منطق “رابح-رابح”.

إن شخصية جلالة الملك، بما تحمله من رمزية دينية كأمير للمؤمنين، ومكانة تاريخية تمتح من العمق الحضاري المغربي، شكّلت عاملاً محورياً في إعادة بناء الثقة مع القارة، وهو ما تُرجم من خلال الاستقبالات الشعبية والرسمية الحافلة التي حظي بها في أكثر من 40 زيارة ملكية إلى دول إفريقية، ومئات الاتفاقيات التي وُقعت في إطار التعاون جنوب-جنوب.

2- الاتحاد الإفريقي: استعادة المكانة بثقة وشرعية

عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي لم تكن فقط مسألة رمزية، بل كانت قراراً استراتيجياً محكومًا بقناعة سيادية بأن المكان الطبيعي للمغرب هو داخل أسرته القارية، مع الدفاع عن حقوقه المشروعة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

فمن خلال العمل الدبلوماسي الملكي، استطاع المغرب أن يعيد التوازن داخل الاتحاد، ويُضعف مناورات الخصوم، ويكسب تأييداً متزايداً لعدالة قضيته الوطنية، حتى من طرف دول كانت حتى الأمس القريب تساند الطرح الانفصالي.

لقد استطاعت الرباط، بقيادة جلالة الملك، أن تحوّل الاتحاد من منصة للهجوم على الوحدة الترابية، إلى فضاء للحوار المتوازن والانفتاح الواقعي على الحقائق الجيوسياسية.

3- توسيع دائرة الحلفاء: من الاعتراف الأمريكي إلى القنصليات بالأقاليم الجنوبية

الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء شكل تحولاً استراتيجياً في مسار النزاع المفتعل، وقد استثمرته الدبلوماسية الملكية بشكل ذكي في توسيع دائرة الدعم الإفريقي والعالمي.

فقد سارعت دول إفريقية عديدة إلى فتح قنصليات لها في العيون والداخلة، في رسالة واضحة مفادها أن السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية لم تعد محل نقاش، بل واقع مؤسساتي ودبلوماسي قائم.

4- الاقتصاد في خدمة السياسة.. مشاريع المستقبل

ولأن السياسة اليوم ترتكز على الاقتصاد، فقد حرص جلالة الملك على جعل التعاون الاقتصادي بوابة مركزية للدبلوماسية المغربية في إفريقيا.

مشاريع استراتيجية كأنبوب الغاز العملاق نيجيريا–المغرب، ومبادرة “بوابة إفريقيا”، ومشروع الدول الإفريقية الأطلسية، كلها تمثل تجسيداً فعلياً للرؤية الملكية التي تجعل من إفريقيا قطباً للتنمية المشتركة، لا مجرد سوق للتمدد الجيوسياسي.

استثناء مغربي.. بين الاستقرار والريادة

وسط عالم مضطرب، تظل المملكة المغربية استثناءً جيوسياسياً في المنطقة، بفضل صلابة المؤسسة الملكية التي حافظت على وحدة البلاد واستقراره السياسي، رغم ما يعيشه المحيط المغاربي والإفريقي من أزمات وانقلابات وتحولات جذرية.

وهذا الاستقرار السياسي كان ولا يزال شرطاً أساسياً لانخراط المملكة بثقة في ملفات وقضايا دولية، من بينها الهجرة، الأمن، التنمية، السلم، والتعاون جنوب-جنوب.

نحو مستقبل مشترك

الدبلوماسية الملكية، كما أرادها جلالة الملك محمد السادس، ليست مجرد حراك خارجي، بل هي تصور شمولي لموقع المغرب في العالم، وركيزة أساسية لبناء نموذج تنموي جديد قائم على الانفتاح، الشراكة، والمكانة السيادية المستحقة.

وإذا كانت إفريقيا قد استعادت ثقتها في المغرب، فذلك لأن المغرب –بقيادة ملكه– بادر بالثقة، والمصداقية، والالتزام.

ومن هنا، فإن المستقبل لا يُبنى فقط بالكلام، بل بالإرادة الملكية التي أثبتت عبر السنوات، أنها قادرة على تحويل الطموح إلى واقع، والشراكة إلى مصير مشترك.

ختاما: المغرب ورؤية الغد.. من إفريقيا إلى العالم

إن ما راكمه المغرب من إنجازات دبلوماسية خلال العقدين الأخيرين، لم يكن محض صدفة، بل نتيجة مباشرة لرؤية ملكية متبصرة، تعتبر أن موقع المملكة في عالم متحول لا يُبنى بالشعارات، بل بالريادة الميدانية، والمصداقية السياسية، والشراكة التنموية الحقيقية.

المغرب اليوم لا يكتفي بالدفاع عن قضاياه العادلة، بل يبادر لصياغة توازنات إقليمية جديدة، من إفريقيا غرباً إلى العالم العربي شرقاً، ومن الشراكات الأوروبية شمالاً إلى العمق الأطلسي جنوباً.

وكل ذلك في إطار تصور متكامل يجعل من القارة الإفريقية عمقاً استراتيجياً، ومن الاستقرار الداخلي قاعدة صلبة للانفتاح الخارجي.

وللإشارة، تتجه المملكة اليوم، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، نحو ترسيخ موقعها كقوة هادئة وموثوقة في محيطها، فاعلة في الأمن الإقليمي، ومؤثرة في أجندات التعاون الدولي، وصاحبة رؤية طموحة في قضايا التنمية، والمناخ، والهجرة، والطاقة، والأمن الغذائي..

وبينما يعيش العالم تحولات كبرى، يواصل المغرب مسيرته بثبات، مستنداً إلى خصوصية ملكية تُجسّد الاستثناء في محيط مليء بالتقلبات، واضعاً نصب عينيه هدف بناء نموذج مغربي فريد: سيادي في قراراته، متوازن في تحالفاته، ومتجذر في عمقه الإفريقي والإنساني.

https://anbaaexpress.ma/usi5p

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

‫2 تعليقات

  1. الاولويات دبا هيا كرامة المواطن التي تداس يوميا عاد نشوفو مشكل الخارجية اصلحو البيت الداخلي عباد الله قبل ان ينهار فوق رؤوس الجميع

  2. Access ChatGPT, Claude, Gemini Pro , Kling AI, LLaMA, Mistral, DALL.E, LLaMa & more—all from a single dashboard.

    No subscriptions or no monthly fees—pay once and enjoy lifetime access.

    Automatically switch between AI models based on task requirements.

    And much more … hamsterkombat.expert/AIIntelliKit

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى