أفريقيامجتمع
أخر الأخبار

انتهاكات الجزائر لحقوق المهاجرين واللاجئين خرق لقواعد القانون الدولي الإنساني تتطلب مساءلة دولية

ذ/ الحسين بكار السباعي

تشكل ظاهرة الهجرة غير النظامية القادمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو دول الشمال، تحديًا متعدد الأبعاد، يتقاطع فيه البعد الإنساني بالمعطى الأمني، وتتداخل فيه التزامات الدول مع مقتضيات السيادة. غير أن الخط الفاصل بين تدبير هذه الظاهرة ضمن أطر قانونية تحفظ الكرامة الإنسانية، وبين الانزلاق إلى ممارسات تعسفية ممنهجة، يظل مرهونًا بمدى احترام الدولة للمواثيق الدولية التي ارتضت الانخراط فيها، والتزامًا منها بمبادئ الشرعية الدولية وحقوق الإنسان.

في هذا السياق، تبرز ممارسات السلطات الجزائرية تجاه المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، كمثال سافر على الانتهاك الممنهج للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين، حيث تتواتر الشهادات والتقارير الحقوقية الموثقة لتكشف عن نمط من السياسات القمعية التي لا تكتفي بخرق الالتزامات الدولية للدولة الجزائرية، بل ترقى إلى مصاف الجرائم الدولية التي تستوجب المساءلة والمحاسبة وفق قواعد القانون الدولي المعاصر.

لقد كشفت تقارير منظمات حقوقية دولية، عن نمط ممنهج من الانتهاكات الخطيرة ارتكبتها السلطات الجزائرية في حق المهاجرين واللاجئين من دول جنوب الصحراء، والتي تستوجب مساءلة قانونية وفق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين.

فبموجب التقارير الموثقة ميدانيًا، والتي تداولها الإعلام الدولي، لجأت السلطات الجزائرية إلى تنفيذ عمليات ترحيل قسري جماعي، أُجبر من خلالها عدد كبير من المهاجرين، بمن فيهم نساء حوامل وقاصرون وذوو احتياجات خاصة، على السير لمسافات طويلة على الأقدام عبر مناطق صحراوية شديدة الوعورة نحو النيجر ومالي، في غياب تام لأية تدابير حماية وإغاثة إنسانية.

هذا السلوك الذي شكل انتهاكًا مباشرًا للمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتعارض كذلك مع المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تمنع كل إبعاد تعسفي للأشخاص.

لقد تفاقمت جسامة هذه الانتهاكات بفعل تنفيذ عمليات الترحيل دون تنسيق رسمي مع سلطات دول الاستقبال، وهو ما عرض المرحّلين لخطر الاعتداء من قبل جماعات مسلحة إرهابية تنشط في المناطق الحدودية، بما يضع الجزائر في موضع خرق جسيم لمبدأ عدم الإعادة القسرية (Non-Refoulement) المكرس في المادة 33 من اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والذي يشكل قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، والتي لا يُسمح للدول بالتحلل منها حتى في الظروف الاستثنائية.

كما أن الممارسات التمييزية التي يعتمدها أعوان السلطة الجزائرية خلال توقيف المهاجرين، تشكل انتهاكًا صارخًا للالتزام الدولي بمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري، المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965، لا سيما المادة 5 التي تلزم الدول بضمان الحق في المساواة أمام القانون وحمايته دون تمييز.

إن طبيعة الانتهاكات الموثقة بشهادات ناجين من جحيم الصحراء الجزائرية، والتي أضحت مقبرة للمهاجرين واللاجئين، من تعذيب وسرقة واغتصاب وإذلال وإتلاف للوثائق الشخصية والاتجار بالأعضاء البشرية، تضع الجزائر أمام مسؤولية دولية متعددة الأبعاد، إذ تشكل انتهاكًا لاتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، التي تحظر في مادتها الثانية أي تبرير لممارسات التعذيب تحت أي ظرف كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو عدم استقرار سياسي داخلي، ناهيك أن يكون التعذيب بسبب الهجرة واللجوء.

فبالرجوع إلى تقارير مثل ما وثقته منظمة “Alarme Phone Sahara”، والتي سجلت طرد الجزائر لحوالي عشرين ألف مهاجر نحو النيجر منذ بداية سنة 2024 منهم أطفال قاصرون، يبرز خرق الجزائر للمادة 22 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، التي توجب على الدول توفير الحماية الخاصة للأطفال اللاجئين والمهاجرين، بما فيهم الأطفال غير المصحوبين بذويهم، فضلًا عن انتهاكها للمادة 9 من ذات الاتفاقية التي تحظر فصل الأطفال عن والديهم تعسفًا.

إن ثبوت وقوع حالات وفاة مأساوية لمهاجرين عبر الصحراء، كما أكده العثور على جثث مهاجرين سوريين وجزائريين قرب الحدود الليبية، ومهاجرين أفارقة قرب الحدود مع مالي، يشكل قرينة قاطعة على إخلال الجزائر بواجباتها في حماية الحق في الحياة، المكرس بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبموجب أحكام القانون الدولي الإنساني ذات الصلة بحماية المدنيين.

ففشل الجزائر في فتح تحقيقات شفافة ومستقلة بشأن هذه الوقائع، وعدم محاسبة المسؤولين عنها، يمثل انتهاكًا إضافيًا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، الذي أضحى مبدأ راسخًا في القانون الدولي، توجته مبادئ الأمم المتحدة بشأن مكافحة الإفلات من العقاب.

خروقات وانتهاكات خطيرة ارتكبتها الجزائر في تدبيرها للهجرة غير النظامية، نتجت عنها عواقب دبلوماسية مع دول الجوار تسببت في عزلتها الإقليمية والدولية، فلم يكن استدعاء النيجر لسفير الجزائر سنة 2024 إلا من باب الاحتجاج القوي، على “العنف المفرط” في عمليات الترحيل.

ختامًا، إن تصرفات السلطات الجزائرية لا تشكل مجرد إخلال بالتزامات دولية، بل ترقى إلى مستوى الانتهاكات الجسيمة التي تستوجب تحريك المساءلة الدولية وفق آليات الشكاوى الفردية والجماعية المنصوص عليها في البروتوكولات الاختيارية الملحقة بالعهود الدولية، كما تفتح الباب أمام مساءلة الجزائر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإثارة مسؤوليتها بموجب قواعد المسؤولية الدولية للدول عن الأفعال غير المشروعة، كما وردت في مشروع لجنة القانون الدولي لعام 2001.

إن انتهاك الحقوق الأساسية للمهاجرين واللاجئين على النحو الذي توثقه الوقائع الجارية في الجزائر يشكل طعنًا في صميم المنظومة الدولية لحماية حقوق الإنسان، وتهديدًا لمرتكزات الكرامة الإنسانية التي يقوم عليها المجتمع الدولي.

* محامٍ ومستشار حقوقي وقانوني، خبير في نزاع الصحراء المغربية

https://anbaaexpress.ma/3580l

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى