في عملية وصفتها إسرائيل بـ”المعقّدة والسرية”، أعلن جهاز “الموساد” عن استعادة ما يزيد عن 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية تعود للجاسوس إيلي كوهين، الذي أُعدم في سوريا عام 1965 بعد أن اخترق مستويات حساسة في دوائر الحكم بدمشق.
العملية التي كشف عنها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم تفصح عن تفاصيل الجهة التي تعاونت مع الموساد في العملية، واكتفى البيان الرسمي بوصفها بـ”شريك استراتيجي”، في تلميح قد يفتح باب التساؤلات عن مدى اختراق أجهزة استخبارات أجنبية لأرشيفات أمنية في دول عربية تفتخر بـ”الممانعة”.
المواد المستعادة من سوريا لا تحمل فقط بعدًا توثيقيًا، بل تمثل أيضًا كنزًا استخباراتيًا من وجهة النظر الإسرائيلية: مفاتيح شقة كوهين بدمشق، جوازات سفر مزوّرة، صور مع ضباط سوريين، دفاتر ملاحظات تحوي معلومات عن اجتماعات حكومية، ووصيته الأصلية التي كتبها قبل لحظات من شنقه في ساحة المرجة وسط العاصمة.
كوهين.. شبح لم يغادر دمشق
إيلي كوهين، الذي دخل سوريا بهوية مزورة تحت اسم “كامل أمين ثابت”، لم يكن مجرد جاسوس كلاسيكي. لقد نسج خيوطا دقيقة من العلاقات داخل بنية النظام السوري آنذاك، حتى أنه أصبح ضيفًا دائمًا على موائد الضباط ودوائر القرار.. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، كانت برقياته إلى تل أبيب ترسم خارطة النفوذ العسكري والسياسي في قلب الدولة السورية.
وقد اعتبرت إسرائيل، آنذاك، ما قدّمه كوهين من معلومات بمثابة تمهيد حاسم في حرب 1967، خاصة بشأن نشر المدفعية السورية في الجولان.
ما وراء العملية.. رسائل مزدوجة
اللافت في توقيت الإعلان حسب مراقبين عن هذه العملية أنه يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تصدعات كبرى، وتتصاعد فيه نيران العدوان على غزة. وهنا يمكن قراءة الحدث كبطاقة تذكير بقدرة إسرائيل الاستخباراتية على اختراق حتى ما تعتبره الأنظمة المغلقة “ثوابت سيادية”.
كما أن إسرائيل لم تخف رمزية الحدث، حيث أعادت عبره تسليط الضوء على مطلبها القديم باستعادة رفات كوهين، وهي ورقة طالما استُخدمت كورقة ضغط في أي مفاوضات أو قنوات خلفية كانت تُفتح مع دمشق.
ولا يمكن قراءة هذه العملية خارج سياقها السياسي والأمني؛ فالموساد لا ينقب في الماضي عبثًا، بل يؤسس لرواية متجددة عن بطولة فردية لجاسوس لم ينه موته دوره، بل تحول إلى أيقونة يتغذى عليها الوجدان الأمني الإسرائيلي.
واستعادة أرشيف إيلي كوهين تظهر قدرة الموساد على تنفيذ عمليات معقدة حتى بعد مرور عقود على الأحداث. كما تعكس العملية الأهمية الرمزية التي توليها إسرائيل لعملائها السابقين، وحرصها على توثيق تاريخهم وتكريمهم.
من ناحية أخرى، قد تثير هذه الخطوة تساؤلات حول كيفية تمكن الموساد من الوصول إلى هذه المواد في سوريا، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة في المنطقة.