في مشهد دولي مشحون بالدلالات السياسية، خطف القائد العام للقوات المسلحة الليبية، المشير خليفة حفتر، الأضواء في موسكو خلال مشاركته الرسمية في احتفالات الذكرى الثمانين لانتصار روسيا على النازية.
بدعوة مباشرة من الكرملين، لم يقتصر ظهور حفتر على المنصة الشرفية للعرض العسكري الضخم بالساحة الحمراء، بل كان محور لقاء ثنائي رفيع المستوى جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين داخل أسوار الكرملين.
هذا اللقاء لم يكن مجرد مجاملة بروتوكولية، بل جسّد إعادة ترتيب صريح لتحالفات موسكو في شمال إفريقيا. وبينما كان حفتر إلى جانب نجليه الفريق ركن صدام حفتر، رئيس أركان القوات البرية، والفريق ركن خالد حفتر، رئيس أركان الوحدات الأمنية، يتمتعون بحفاوة روسية رسمية، كان الغائب الأكبر هو الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي لطالما قدّمت بلاده نفسها كحليف استراتيجي لروسيا في المنطقة.

في يوم النصر.. حفتر ينتصر دبلوماسياً وتبون يُهزم بالصمت
غياب تبون عن هذا الحدث العسكري – السياسي، في مقابل حضور حفتر بصفته الشخصية والرمزية، يبعث برسالة واضحة: موسكو، التي لم تعد تخفي انحيازها لحسابات القوة الواقعية، وجدت في حفتر شريكاً صريحاً على الأرض، يمثّل امتداداً لنفوذها في جنوب المتوسط، وليس في النظام العسكري الجزائري المتذبذب والمثقل بالحسابات الإقليمية المتناقضة.
المشاركة الليبية جاءت في سياق احتفالية سيادية روسية حضرها أكثر من 29 زعيماً وقائداً من مختلف القارات، ما يضفي على الحضور الليبي طابعاً دولياً لا يمكن عزله عن المساعي المستمرة لتثبيت حفتر كرقم صعب في المعادلة الليبية والإقليمية.
ولعل الأهم من كل ذلك، هو أن اللقاء المباشر مع بوتين، في ظرف دولي بالغ الحساسية – يمنح حفتر شرعية ميدانية تتجاوز الهياكل الليبية المنقسمة، ويعزز موقعه في أي صيغة مرتقبة لتقاسم السلطة.
وجدير بالذكر، قد لفت الأنظار كذلك الحضور اللافت لرئيس بوركينا فاسو، إلى جانب ممثلين رفيعي المستوى عن سلطات مالي والنيجر، وهو ما يعكس التمدد الروسي المتسارع في منطقة الساحل والصحراء، التي باتت تتحول إلى مجال نفوذ جديد للكرملين.
هذا الحضور الإفريقي الكثيف تزامن مع غياب تام لأي مسؤول جزائري، رغم العلاقات التاريخية بين الجزائر وروسيا، ما يعزز الإشارات إلى أن الجزائر لم تعد تحظى بالاهتمام نفسه داخل دوائر القرار الروسي، خاصة في ظل فشلها في بلورة دور إقليمي فعّال ومتزن في خضم التغييرات الجيوسياسية الجارية.
حقوقياً وسياسياً، تكمن المفارقة في أن المشير خليفة حفتر، رغم كل الجدل المرتبط بسجله في استخدام القوة، لا يتوارى عن الحضور في المحافل الدولية الكبرى، ولا يتردد في الجلوس إلى طاولة الكبار حين تُتاح الفرصة، مدفوعاً بوضوح في المواقف وجرأة في التحرك.
في المقابل، يختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الانزواء كلما تعلق الأمر باستحقاقات دولية ثقيلة، إما خوفاً من التورط في التزامات استراتيجية حاسمة، أو تهرباً من اختبار حجم الجزائر الحقيقي في معادلات القوى.
حفتر، بما له وما عليه، يعرف جيداً أن السياسة لا تعترف بالمراوغة، بل تكرّم من يضع أوراقه على الطاولة دون تردد.
وتلك، وحدها، ميزة يفتقدها تبون “القوة الضاربة” الذي يفضل المواقف الرمادية على حساب الفعل السياسي الجريء. في زمن التحولات الكبرى، لا مكان للحياد الخجول.
للإشارة، حفتر في موسكو ليس مجرد ضيف شرف، بل هو شريك محتمل في مشروع نفوذ روسي متجدد في إفريقيا.
أما الجزائر، التي غابت عن المشهد، فإنها مطالبة بمراجعة خطابها وموقعها، إن أرادت ألا تجد نفسها على هامش توازنات تُرسم من دونها.
2 تعليقات