آراءثقافة
أخر الأخبار

العقل العربي.. الحاضر الغائب

عبد الله فضول

يقف عقلنا العربي اليوم عند مفترق الطرق، تتنازعه الأسئلة، وتحيط به التحديات.

فهل يحتاج إلى تعديل يعيد توجيه مساراته، أم إلى حفر يكشف طبقاته العميقة، أم إلى إعادة بناء تهز ركائزه الراسخة؟

لكن، هل هو واحد بصيغة المفرد؟

لا أعتقد ذلك، بل أراه عقولًا متشابكة؛ فمنها العقل التراثي الذي يستمد قوته من الماضي، والعقل الحداثي الساعي للتجديد، والعقل المصلحي الذي يتحرك وفق ما يحقق مكاسب، والعقل السياسي الذي يشتغل على حبل المصلحة الشخصية والمصلحة العامة، والعقل الجمعي الذي يتشكل بتفاعل أفراد المجتمع.

ورغم هذا التنوع، فإن أكثر العقول الحاضرة في مجتمعاتنا العربية هي تلك التي لا تفكر ولا تستوعب ما يجري حولها، بل تكتفي بالتلقي، وتتحرك بردود فعل سطحية.

ذلك لأن العقل الإنساني، بطبيعته، يعتاد نمطًا معينًا في التفكير، فإذا ألف شيئًا استمر عليه، مما يجعل الخروج من دائرة المألوف أمرًا بالغ الصعوبة، ويتطلب هزة عميقة.

وهنا يبرز دور التعليم، باعتباره المؤهل لتطوير وتثوير العقل، فهو قادر على توسيع المدارك، وتعزيز الفهم والتحليل، لكنه لا ينبغي أن يكون مكبلًا بأساليب التلقين والتكرار، بل يجب أن يُحفّز على التساؤل، والبحث، والاكتشاف.

غير أن البيئة الفكرية التي نعيش فيها لا تساعد دائمًا على تنمية هذا العقل، فالناس كثيرًا ما يغرقون في نمط تفكير ثابت، يميل إلى العاطفة أكثر من التحليل، ويضيق بالنقد.

ثم إن النموذج الأسري، كذلك، لم يعد يرسّخ ثقافة القراءة والمعرفة، فكيف ندعو أبناءنا للقراءة وهم لا يروننا نحمل كتابًا، أو نخوض في نقاش فكري يتجاوز الاهتمامات العابرة؟

هكذا افتقد الأبناء للقدوة، وتراجع العقل النقدي، فبقيت المجتمعات رهينة أنماط تفكير متكررة، لا تجدد ذاتها، ولا تُنتج رؤية جديدة.

طبعًا، ولكي يتحرر هذا العقل من قيوده، لا بد أن ينشأ في بيئة تحفّزه على التساؤل، لا على التلقين، وأن يُمنح مساحة للتأمل، فلا يُدفع نحو الإجابات الجاهزة، بل نحو إدراك أعمق للمعاني.

أن يتعلم التحليل بدلًا من الاستسلام للمألوف، وأن يختار بين البدائل بوعي، لا بردود أفعال تلقائية.

ووحده العقل الحرّ هو القادر على إعادة النظر في واقعه، وكسر القيود التي تحجبه عن الإبداع والتقدم.

* كاتب مغربي 

https://anbaaexpress.ma/e6fg6

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى