آراءسياسة
أخر الأخبار

الإفطار التنسيقي.. على مائدة الانتخابات القادمة

بشَّر عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة بأنَّ نتائج الانتخابات القادمة ستكون “تأسيسية” للعملية السياسية كعام 2005.

لا غرابة، هذا ما يحصل في العراق، يُطقطِقُ السياسي كلاماً فيمحو عشرين عاماً. الحكيم الذي تعوَّد على الاختباء في خطِّ الوسط السياسي كان وما زال “آخر من يقول و أوَّل من يستفيد”. تصريحهُ البُني – نسبة إلى تاريخ اللون الغالب على العباءة التي يرتديها – فيه نسبة خطورةٍ عالية، لم تجرؤ تصريحاته السابقة على مثلها كحديثه عن “الوطنية الشيعية”.

وقتها خشيَ من نفاد تيَّار الطاقة لكلماته المشهورة بـ “التقريم و الترتيق” قبل إنجاز هذه العباءة السياسية. رماها نهايةً في حِجر الصدر فاستحالت “التيار الوطني الشيعي”.

عموماً، الإمساكُ بالماء الوطني و النار المذهبية فنٌ لا يُجيدُه سوى الصدر، لقدرته على تقليبهما آلاف المرات بأيادي اتباعه.

البيتُ الشيعي كان قد اطلق من نافذة رئيس الحكومة الحالي رسولاً إلى نافذة “الإطار التنسيقي” في الـ 24 من مايو. الرسول فضَّ المظروف على شاشة واحدةٍ من أكثر الفضائيات العراقية مُتابعةً.

اختصارُ السطور الرئيسية في هذه الرسالة العلنية “عدم فتح أقفاص الذباب الإلكتروني و إلَّا فسدت فاكهةُ التحضيرات الانتخابية، التفاوض بالتسقيط الإعلامي بات قديماً و الأفضل استخدام الغرُف المغلقة، و تحذير المُستقلين من ماركة “الإطار التنسيقي” بعدم المغالاة في تصريحاتهم ضِدَّ الحكومة الحالية لأنها ستحرِقُ حظوظهم الانتخابية”.

كان كلاماً حديدياً غارِقاً في حبرٍ وردي. الرسول قبض الثمن فوراً. أعلن عن نفسهِ سياسياً في التحالف الانتخابي لرئيس الحكومة “تحالف الإعمار و التنمية”.

دفع السوداني الفوري لفاتورة هذا البريد البشري كان ضرورياً لتنظيف الرسالة من الصدأ و اللون الوردي. الثمن لم يكُن حذراً مرتفع القيمة من السوداني على مصيره السياسي، أو الخوف من تلوث الاستعدادات الانتخابية بالأزيز الإلكتروني، و لكن لأن الانتخابات القادمة رِهانٌ يجب أن لا يشكَّ رابحٌ فيه بأنَّه سيخسر و العكسُ صحيح.

أمين عام حزب المؤتمر الوطني آراس حبيب، كان هو الرسول الحقيقي أمّا نظيرهُ الذي استخدمهُ السوداني فكان مظروفاً بحجمِ رِسالة. دأب حبيب منذُ شهورٍ فضائية – نسبة إلى ظهوره على الفضائيات العراقية – على التذكير بمآثر عضلات حزبِه الذي أسسه أحمد الجلبي في إسقاط النظام السابق و الاحتلال الأمريكي للبلاد عام 2003.

هدفُ هذا الجهد الفضائي هو تحضير الفضاء الانتخابي الشعبي لقبول نتائج الانتخابات القادمة التي ستُعلي حظوظ “حزب المؤتمر الوطني، حزب الدعوة الإسلامية، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، حزبا الديمقراطي و الاتحاد الكردستانيين، حركة الوفاق الوطني، و الحزب الإسلامي الكردستاني”.

حبيب اعترف بأن وضعه على لوائح العقوبات الأمريكية لم يكُن ظالِماً. فصَّل دوره كمصرفٍ جوَّال في إيصال “جورج واشنطن الأخضر” إلى جيوب الحرس الثوري و المليشيات الإيرانية. كان الاعتراف غسيلاً دعائياً لتاريخه الأمريكي، قرع جرس ضرورة عودة العملية السياسية إلى النقاء الأمريكي بعد 2003، و بالتالي سَّير اللاعبين في العشرين سنة القادمة بدون تأمين أنفسهم بسيقان المليشيات الإيرانية.

حبيب وضع كل ذلك تحت يافطة إيمانه المكيافيلي و ترديد شِعاره العزيز على لِسانه “الغاية تبرر الوسيلة” في تجواله الفضائي و زياراته لمعظم الفريق السُداسي.

تأمينُ العودة إلى تاريخ الولادة الأمريكية لهذا النظام يستدعي ربطه بحبلِ سُّرَة سني. حيثُ انطلق ثُلاثي رئيس ائتلاف دولة القانون، زعيم عصائب أهل الحق، و أمين عام منظمة بدر خلال الفترة الماضية و بوضوحٍ شديد، لتأمين تواجدهم السياسي في “المحافظات المختلطة” مذهبياً على حد تعبير الأول. أي ديالى، صلاح الدين، نينوى، و كركوك.

أيضاً تحليق مناطيد اختبار تحويل قضاء تلعفر في الموصل إلى محافظة، جرياً على سابقة حلبجة. الحدث الأبرز كان ظهور عِمامة تحالف سياسي على رأس عصائب أهل الحق و عشائر قضاء تكريت في محافظة صلاح الدين، محل ولادة رئيس النظام السابق.

الشخصيات السنية الخفيفة الوزن السياسي مثل مثنى السامرائي، أحمد الجبوري (أبو مازن) و غيرها ستكون مرابعُها الانتخابية في محافظات صلاح الدين و ديالى كإعلانات سيَّارة لترويج الوجود الشيعي هذه المرَّة لا الحضور الأمني المُدجج بالمليشيات الإيرانية.

أمّا في كركوك فيبدو بأن رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي و الطامح لتمثيله “الأغلبية السنية” بحسب تعبيره، قد انسحب منها مقابل حضور ثقيل نسبياً في العاصمة بغداد، و متوسط في محافظة نينوى بالقسمة الضرورية مع عائلة النجيفي، إضافة إلى محافظة الأنبار التي هي حصَّالتُه الانتخابية الأكبر.

يبقى خميس الخنجر الذي يبدو بأنه الآن يمر بدورة ضبط المصنع، لا مكان واضحاً له على الخارطة السياسية، لكن من المؤكَّد أن رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني سيمنع غروبه السياسي بشكلٍ كامل.

هذا “الإفطار التنسيقي” الشيعي لم يترك المستقلين أيضاً. بعضهم سيكون مع التحالف الانتخابي لرئيس الحكومة القادمة. النوعية الأكثر جودة من المستقلين و أهمهم النائب سجاد سالم شكَّلوا مع حليفٍ قديم للعبادي عدنان الزرفي و آخرين تحالف “البديل الانتخابي”.

هذه الجودة من المستقلين غير المناسبة لـ “الإفطار التنسيقي” استدعت هجوماً بارداً ضد المستقلين عموماً. المؤكد أن سخونته الإعلامية سترتفع في الأيام القادمة، ما زالت هناك أكثر من ستة أشهر قبل الموعد الانتخابي.

النتيجة النهائية تبدو صالحة للتعبير عنها بكلمات الحلبوسي و مفادُها “بعضهم سيرفع شعار الوطنية كمنصة للقفز على استحقاق المكونات في المحافظات الأخرى و بعضهم سيرفع شعار الطائفية كي يفوز و لو بمقعد إضافي”.

هكذا أيها الناخب العراقي استطيع أن أرسُم لك لوحة الانتخابات القادمة “إفطار تنسيقي. حضور صغير لمن يريد اللعب السياسي النظيف. تواجد سني رأسهُ في الانبار و قدميه في ديالى و صلاح الدين و الموصل.

تأمين عزف سياسي موحَّد في كركوك بدون كسر الأصابع الكردية. و بغداد ستكون مثل تلفاز ينقلُ لنا كلاسيكو انتخابي بين “الإطار التنسيقي” و “الإفطار التنسيقي الجديد”.

مليارات الدولارات سوف تُشعِلُ شموع هذه الكعكة الانتخابية التي ذقناها منذُ أكثر من اثنين و عشرين عاماً و الخيارُ لك، إمّا أن تطفئها ببطاقتِك الانتخابية و إمّا أن تُشعِلها بمزيدٍ من الأعوام القادمة، و كل عام و أنتم في انتخاباتٍ تأسيسية جديدة.

https://anbaaexpress.ma/avglt

مسار عبد المحسن راضي

كاتب صحافي وباحث عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى