في تطور لافت، أعلنت “قدرة شمال إفريقيا” (NARC)، التي تضم الجزائر، تونس، مصر، وليبيا الغربية، إلى جانب “جبهة البوليساريو” الانفصالية، عن تنظيم تمرين ميداني مشترك يحمل اسم “سلام إفريقيا 3” في الفترة الممتدة من 21 إلى 27 ماي 2025، على التراب الجزائري.
غير أن ما يثير الانتباه في هذه المناورات، ليس فقط السياق الجغراسياسي الذي تندرج فيه، بل مشاركة كيان غير معترف به دوليًا إلى جانب دول أعضاء في جامعة الدول العربية، مما يشكل سابقة تستحق التوقف والتحليل.
بالإضافة، مشاركة مصر وليبيا وتونس في مناورات عسكرية إلى جانب هذا التنظيم الانفصالي (ميليشيات البوليساريو) تُعد خرقًا لاتفاقية الهدنة الموقعة سنة 1991، والتي لا يزال هذا التنظيم يخرقها بمهاجمته القوات المسلحة الملكية انطلاقًا من المنطقة العازلة، وهو ما يشكل في حد ذاته خطوة استفزازية من طرف هذه الدول تجاه المغرب، ويُعد قانونيًا عملًا عدائيًا يجب التصدي له.
خلفيات ومواقف متباينة
ليست هذه هي المرة الأولى التي تُعقد فيها اجتماعات تنسيقية بين الدول المنضوية تحت “قدرة شمال إفريقيا”، فقد سبق وأن شهدت الجزائر وتونس والقاهرة على مدى السنوات الأخيرة لقاءات متعددة ركزت على تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.
لكن إدراج “البوليساريو” كمكون رسمي في هذه المنظومة يطرح أكثر من سؤال حول أهداف هذا التمرين، وتوقيت تنظيمه، والرسائل المراد إيصالها من خلاله.
ليبيا: انقسام واضح في المرجعية
فيما يتعلق بليبيا، تثير المشاركة باسم “حكومة الوحدة الوطنية” في طرابلس تساؤلات كبيرة حول الشرعية التمثيلية في هذا النوع من المناورات. فغياب “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر، والذي يسيطر على شرق البلاد، يبرز مرة أخرى ويسطر مجددا تخبط حكومة الغرب في تباين المواقف بين حكومة الوحدة الوطنية ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، الذي ليس إلا تحت تأثير ويأتمر من نظام العسكر الجزائري على غرار الرئيس قيس سعيد التونسي.
أبعاد قانونية ومفارقات دبلوماسية
من الناحية القانونية، يُعدّ إشراك كيان غير معترف به من قبل الأمم المتحدة في تمارين عسكرية متعددة الجنسيات سابقة تخرق القواعد الدولية غير المكتوبة بشأن التعاون الأمني الإقليمي. فـ”جبهة البوليساريو” ليست دولة، ولا تملك صفة العضو في أي منظمة دولية معترف بها سوى الإتحاد الإفريقي، حيث قبلت بعض الدول عضويتها بدوافع سياسية أكثر منها قانونية.
وإذا كانت بعض الدول المشاركة في هذه المناورة تحاول تبرير ذلك من باب “الأمن الجماعي” و”مكافحة التهديدات المشتركة”، فإن هذا المنطق يصطدم بحقيقة أن البوليساريو ليست جيشاً نظامياً لدولة قائمة، بل طرف نزاع مسلح، مما يُفقد التمرين صفته التقنية ويمنحه أبعاداً سياسية واضحة لا يمكن إنكارها.
تداعيات على العلاقات الثنائية
في حال عدم صدور توضيحات عاجلة من الحكومات المشاركة، وعلى رأسها مصر وليبيا، فإن من شأن هذا التمرين أن يفتح باب أزمة دبلوماسية مع الرباط، خاصة إذا ما اعتُبر ذلك تأييداً ضمنياً لطروحات الانفصال، أو على الأقل عدم احترام لمبدأ الحياد.
كما أن تونس، التي تمر بمرحلة دقيقة داخلياً، قد تجد نفسها محاصَرة سياسياً إذا لم توضح موقفها الرسمي من مشاركة طرف لا يحظى باعتراف دولي.
خيارات الرد المغربي
في مواجهة هذا التطور، تملك المملكة المغربية عدة أوراق دبلوماسية يمكن توظيفها داخل الجامعة العربية للمطالبة بتوضيح رسمي من الدول المشاركة، خاصة تلك التي تلتزم رسمياً بموقف الحياد أو تلك التي تعتمد موقف داعم للمغرب في قضية الصحراء على غرار مصر.
كما أن المملكة مطالبة بمخاطبة الاتحاد الإفريقي من أجل الطعن في أي توظيف لمنصاته أو آلياته لشرعنة مشاركة البوليساريو في تمارين عسكرية قد تخلّ بأمن دول الجوار.
وعلى المملكة المغربية أيضًا تفعيل التحالفات الدولية خاصة مع دول الساحل وغرب إفريقيا التي ترتبط مع المغرب باتفاقيات أمنية وعسكرية، وتشارك الرباط مخاوفها من التدخلات الجزائرية عبر واجهات متعددة إذ أصبح من حق المغرب تنظيم مناورات مشتركة مع دول الساحل والصحراء وهي مشروعة لتطوير قدرات هذه الدول في مواجهة مخاطر الارهاب وتهديد حدودها.
تعليق واحد