الدكتور بشري إكدر
تكتسي القرارات الأممية لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء أهمية بالغة، وتتميز بطبيعة خاصة، ذلك أنها تصدر وفق جدولة زمنية معروفة، بمناسبة مناقشة قضية الصحراء في مجلس الأمن، والتي تحظى بموعدين راتبين كل عام عند نهاية أبريل وأكتوبر.
وتكمن أهميتها في تتبعها لتطورات ومستجدات ملف قضية الصحراء، حسب مد السياسة الخارجية للمنتظم الدولي من جهة، وجزر مواقف الأطراف المعنية مباشرة بالملف من جهة أخرى.
وفي إطار تتبع مستجدات قضية الصحراء، يرتقب أن يجتمع مجلس الأمن الدولي نهاية شهر أبريل الجاري لإصدار قرار أممي جديد حول الصحراء.
ومن خلال التطورات التي حدثت مؤخرًا قبيل وبعد تقديم الإحاطة الدورية حول الوضع في الصحراء، يمكن التكهن بمجموعة من التدابير والتوجهات الجديدة التي تشكل انتظارات نتوقع أن يحملها القرار الأممي المقبل حول الصحراء؛ والتي تشكل مستويات الفعل والتأثير الأممي والدولي في المرحلة المقبلة لإيجاد حل سياسي واقعي ودائم ومتوافق بشأنه لقضية الصحراء.
1- على مستوى الدور الأمريكي:
تماشيًا مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، أتوقع أن يشيد القرار الأممي المرتقب بالجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية في الملف، نظرًا للضغط الذي يمكن أن تمارسه واشنطن على الأطراف المعنية للشروع في مفاوضات مباشرة حول آفاق الحل.
ويمكن القول إن واشنطن قد استبقت القرار الأممي المقبل حول الصحراء بإعلان المستشار الخاص للرئيس الأمريكي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، دعوته الأطراف المعنية إلى الانخراط في مفاوضات الحل الدائم دون تأخير، مذكرًا بموقف واشنطن من قضية الصحراء، حيث تنظر إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره “الإطار الوحيد للتفاوض على حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين”.
كما كشف المستشار الخاص للرئيس ترامب عن زيارة وشيكة ستقود وفدًا أمريكيًا رفيعًا إلى المغرب، موضحًا أنها ستشكل مناسبة لإجراء مشاورات معمقة مع المسؤولين في الرباط حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها قضية الصحراء، وقضايا السلام والاستقرار في إفريقيا والشرق الأوسط.
وبذلك تكون الإدارة الأمريكية قد حجزت لنفسها دورًا حيويًا ومحوريًا في المرحلة المقبلة عبر آليتها الدبلوماسية، وهو ما يعني بشكل مؤكد قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على توجيه الأمم المتحدة والمنتظم ككل، وثنيهما عن استبعاد أي حل آخر من الحلول التقليدية التي كانت تُطرح في مراحل سابقة لقضية الصحراء، مثل خياري الاستقلال أو التقسيم.
وأن الحل الوحيد الممكن لقضية الصحراء يكمن في الحل السياسي المتمثل في الحكم الذاتي المتوافق بشأنه بين الطرفين.
2- على المستوى الأممي:
سياسيًا؛ أتوقع أن يطالب مجلس الأمن الدولي المغرب والبوليساريو بالجلوس إلى طاولة المفاوضات قريبًا وبدون شروط مسبقة، من أجل تسريع وتيرة التوصل إلى حل سياسي متوافق بشأنه حول قضية الصحراء وفق أجندة زمنية واضحة ومحددة.
كما أتوقع أن يطالب مجلس الأمن الدولي المغرب بتقديم تصور أكثر نضجًا وجدية للحل، من خلال توضيح أكثر لبنود مشروعه المقترح للحكم الذاتي، مع التركيز أكثر على مقتضيين أساسيين وهما:
التفصيل أكثر في الصلاحيات التي ستُقدم لكيان حقيقي يتمتع بالحكم الذاتي في الصحراء.
والعمل على انبثاق حل يفضي إلى إيجاد آلية لتفعيل الاستشارة الشعبية للسكان حول الحل السياسي المرتقب.
كما يُنتظر أن يجدد القرار الأممي التأكيد على جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي المكلف بالصحراء، وأن الأمم المتحدة ستقدم الدعم السياسي الكافي لرعاية مفاوضات مباشرة وجدية حول آفاق الحل بين الطرفين الأساسيين في النزاع: المغرب والبوليساريو.
عسكريًا؛ أتوقع التمديد لبعثة المينورسو لولاية جديدة من ستة أشهر، وتجديد دعوة الدول دائمة العضوية إلى تقديم الدعم المالي والقوات الكافية لضمان استمرار أداء بعثة المينورسو لمهامها في أحسن الظروف.
كما يُنتظر أن يدعو القرار الأممي المرتقب الطرفين إلى إسكات أزيز الرصاص في المنطقة، عبر وقف العمليات العسكرية من الجانبين وإفساح المجال للعملية السياسية والدبلوماسية لإنهاء النزاع حول الإقليم تحت مظلة الأمم المتحدة.
3- على المستوى الإقليمي/المغاربي:
نظرًا لأهمية هذا المستوى في التأثير على تطورات الوضع العام في ملف الصحراء، أزعم أن القرار الأممي المقبل حول الصحراء سيلفت نظر الأطراف إلى ضرورة العمل على تخفيف حدة التوتر بالمنطقة، خاصة على مستوى العلاقات المغربية-الجزائرية، وذلك قصد تهيئة مناخ صحي وسليم لاستمرار العملية السياسية المتوقفة منذ فترة.
كما أتوقع أن تتم الإشادة بحالة الحياد الإيجابي التي عبّرت عنها موريتانيا مؤخرًا، ودعوتها كبلد جار ومساهم في إيجاد حل لقضية الصحراء لبذل جهودها في الملف على المستوى الإقليمي.
4- على المستوى الدبلوماسي:
من المرتقب أن يطلب مجلس الأمن الدولي في قراره المرتقب من دول مجموعة أصدقاء الصحراء، بذل جهود حثيثة في سبيل التسريع لإيجاد حل سياسي دائم ومتوافق بشأنه لقضية الصحراء، وسيركز التوجه الأممي أكثر على الدور الدبلوماسي لفرنسا التي تربطها علاقات تاريخية وخاصة بدول المغرب العربي، خاصة مع المغرب والجزائر، رغم أن العلاقات الفرنسية-الجزائرية تمر بوعكة صحية هذه الأيام، في حين عبَرت العلاقات المغربية-الفرنسية منطقة الفتور التي كانت تخيم عليها في مرحلة سابقة بنجاح ملحوظ، جسده انطلاق عهد جديد من التعاون الاقتصادي والدعم السياسي الفرنسي للمغرب، خاصة بعد الموقف الجديد لفرنسا من قضية الصحراء.
كما أتوقع أن يحمل القرار الأممي إشارات تدعم اضطلاع بريطانيا بدور معتبر في العملية السياسية والدبلوماسية.
أما روسيا والصين؛ فبالرغم من كونهما بلدين دائمَي العضوية ويتمتعان بحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، إلا أن السياق العام الذي يسم علاقاتهما مع الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الراهنة، يجعلني لا أتوقع أن يستخدما حق الفيتو في وجه القرار الأممي المقبل حول الصحراء في هذه المرحلة بالذات.
5- على المستوى الإنساني:
لم يكن إدراج الحديث عن حالات الوضع الإنساني لسكان المخيمات، التي قدمها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة دي ميستورا في إحاطته، عبثًا؛ فمن جهة كانت عنوانًا بارزًا على بعث انطباع واضح عن القلق الأممي إزاء الحالة الإنسانية في مخيمات تندوف، فيما يتعلق بصعوبة تأمين الحصص الغذائية الأساسية والكافية لسكان المخيمات.
ومن جهة أخرى، كانت تشخيصًا لحالة الانتظارية المقيتة في صفوف النساء، اللواتي عبّرن للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة عن منسوب معتبر من اليأس ونفاد الصبر، لحل قد يأتي وقد لا يأتي، وعن معاناة فئات معينة من طول أمد الصراع، خاصة في صفوف النساء والشباب.
وهذا ما يقودني للقول بتوقع أن يحمل القرار الأممي المقبل حول الصحراء إشارات ومطالب واضحة بضرورة الالتفات للوضع الإنساني لسكان المخيمات، خاصة على مستوى الغذاء والدواء.
كما أتوقع أن يدعو القرار الأممي المرتقب إلى ضمان سبل أفضل للمشاركة الكاملة والفاعلة للنساء الصحراويات في العملية السياسية المرتقبة في إطار مقاربة النوع، وكذا دفع الفئات غير المشاركة حاليًا من سكان المخيمات إلى المشاركة الفعلية عبر التفكير في سبل إيجاد حل واقعي لقضية الصحراء، لوضع حد للوضع الإنساني المقلق بالمخيمات، لضمان حقهم الثابت والأساسي في المشاركة في اختيار مستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي ونموذجهم المجتمعي في ظل الحل السياسي الشامل والعادل والمنصف.
* حقوقي وباحث في الشؤون الصحراوية