في زمن التحولات الجيوسياسية الدقيقة التي تعيشها المنطقة المغاربية، لا تجد تونس، للأسف، ما تقدمه لشعبها من أفق أو رؤية اقتصادية تُخرِج البلاد من أزماتها، بقدر ما تندفع – بخفة سياسية غير مفهومة – نحو تحالفات إقليمية خاسرة، يقودها النظام الجزائري، وتدور في فلك مشروع انفصالي متهالك، اسمه “البوليساريو”.
قيس سعيّد.. حينما يتحدث الرمز ويصمت العقل
ما حدث خلال قمة تيكاد 8 في تونس، حين أصرّ الرئيس قيس سعيّد على استقبال زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي استقبال الرؤساء، لم يكن فقط سقطة ديبلوماسية، بل إعلاناً صريحاً عن التحاق تونس بمحور يستهدف وحدة المغرب الترابية، ويضرب في العمق أواصر الأخوة المغاربية التي بُنيت على امتداد عقود.
هذا السلوك ما كان ليتم لولا الاصطفاف الكلّي لتونس الرسمية خلف أوامر الجزائر، مقابل وعود دعم مالي لا يتجاوز بضع ملايين من الدولارات، لن تُخرج البلاد من مأزقها الاقتصادي، ولا من مأساة اجتماعية باتت تُنذر بالانهيار.
بوابة مفتوحة للانفصاليين.. وجامعات تتحول إلى أدوات ناعمة للحرب
الأدهى من ذلك، أن تونس صارت، رويداً رويداً، مرتعاً لنشاط البوليساريو، ليس فقط عبر تحركات رمزية أو لقاءات ديبلوماسية، بل من خلال فتح الجامعات والمعاهد أمام طلبة يحملون المشروع الانفصالي، في عملية ممنهجة لإضفاء طابع “الشرعية الأكاديمية” على كيان لا يعترف به سوى أنظمة مارقة.
وفي 22 أبريل 2025، نظمت في العاصمة تونس، ندوة إقليمية تحت عنوان “بناء التماسك الاجتماعي في عالم متغير”، من تنظيم معهد “نوفاكت” الكتالوني، الممول من الوكالة الكتالونية للتعاون الدولي، وبمشاركة فاعلين مرتبطين بجبهة البوليساريو، مع تخصيص ورشة خاصة لقضية الصحراء المغربية، في ما بدا محاولة جديدة لإعادة تدوير الخطاب الانفصالي داخل قوالب “مدنية” و”حقوقية”، مستلهمة بالكامل من أجندة المخابرات الجزائرية التي وضعت قضية “مكافحة التضليل الإعلامي” كغطاء جديد لمهاجمة وحدة المغرب الترابية.
من تحالف الجزائر.. إلى رهانات فارغة مع طهران
تونس، التي عُرفت لعقود باعتدالها الديبلوماسي وحيادها الإيجابي، أضحت اليوم تنزلق نحو خيارات عبثية، من خلال الارتماء في أحضان محور معزول يتزعمه النظام الجزائري، وفتح قنوات تواصل مقلقة مع إيران.
هذا التحالف الغامض مع طهران لا يمكن فهمه إلا ضمن استراتيجية لا تخدم سوى أجندة اختراق المنطقة المغاربية من طرف مشروع توسعي طائفي، يتغذى على هشاشة الدول ويستثمر في الفوضى والانقسامات.
تحول تونس إلى منصة مفتوحة للتأثير الإيراني – سواء عبر شبكات ثقافية أو تنظيمات مموهة – يهدد الأمن الإقليمي ويقوض كل فرص التعاون الحقيقي بين دول المغرب الكبير، خاصة أن الشعوب المغاربية تتوق إلى مستقبل مشترك، لا إلى استيراد صراعات مذهبية أو أجندات مفروضة من الخارج.
“اتحاد مغاربي بديل”: مناورة لعزل المغرب وموريتانيا
وكأن كل ما سبق لا يكفي، حتى اندمجت تونس مؤخراً، بتنسيق مباشر مع الجزائر، في مشروع خلق تكتل مغاربي جديد، يُقصي عمداً المغرب وموريتانيا، ويضم فقط الجزائر وتونس وبعض الأطراف الليبية.
المشروع، الذي لا يُخفي طابعه العدائي، كان يُفترض أن يُتوّج باجتماع ثلاثي في طرابلس يضم تبون وقيس سعيّد ومحمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي.
لكن المفاجأة كانت حين اضطرّ المنفي إلى إرجاء الاجتماع، متذرّعاً بدواعٍ صحية، فيما كشفت كواليس القرار أن الضغوط جاءت من داخل ليبيا نفسها، من حكومة طرابلس ومن فعاليات سياسية ومدنية رافضة لتحويل ليبيا إلى أداة في يد محور معزول يزرع الشقاق بدل التكامل.
الرهان الخاطئ والخسارة المؤكدة
في المقابل، تغفل تونس – أو تتغافل – عن أن المغرب، رغم الخلافات الظرفية، يظل أقرب شريك استراتيجي لها في بناء مغرب عربي حقيقي، قائم على التكامل الاقتصادي والتعاون الطاقي والتقدم التكنولوجي. المغرب يتوفر اليوم على نموذج تنموي واعد، وشراكات دولية متقدمة، واستثمارات إفريقية صاعدة، كان من الممكن لتونس أن تستفيد منها لو اختارت الطريق الصحيح.
خاتمة: تونس اليوم ليست في حاجة إلى محور جديد يُغرقها أكثر في العزلة، ولا إلى أجندات مفروضة من الخارج، بل إلى مراجعة عميقة لسياساتها الإقليمية، والعودة إلى منطق الدولة التي تسعى إلى الاستقرار والوحدة والتكامل.
فمصير المنطقة المغاربية لا يُبنى على التفرقة، بل على الحوار والانفتاح والمصالح المتبادلة. أما الارتهان لمحاور لا تملك سوى شعارات الماضي، فهو رهان على الخسارة.
ما هي العواقب التي قد تترتب على التحالفات الإقليمية التي تقودها الجزائر لتونس؟