أفريقياسياسة
أخر الأخبار

تندوف تشتعل: انفلات أمني وانهيار داخلي يدفع البوليساريو للاعتراف بالواقع

في مشهد سياسي وأمني متدهور، تشهد جبهة البوليساريو مرحلة من الانهيار الداخلي والخارجي غير مسبوقة. بعد سنوات من التصعيد السياسي والعسكري، بدأت الحقيقة المؤلمة تطفو على السطح: فشل المشروع الانفصالي. وفي اجتماع طارئ عُقد تحت ضغوط متزايدة، اعترفت القيادة لأول مرة بالهزيمة، ساعية إلى ترتيب أوراقها في مواجهة واقع صعب يعكس تدهور الأوضاع في المخيمات والانحسار الدولي الذي يهدد وجودها.

البوليساريو على حافة الانهيار الشامل

في تطور خطير يعكس حجم التحديات غير المسبوقة، عقدت جبهة البوليساريو أمس الأحد، بقيادة زعيمها إبراهيم غالي، اجتماعًا طارئًا ضم أعضاء من الأمانة الوطنية، قيادات الميليشيا المسلحة (التي تدعي أنها جيشًا)، وعددًا من ما يسمى وزراء السيادة والأجهزة الأمنية.

الاجتماع، المنعقد وسط أجواء مشحونة، تمخض عن اعتراف نادر وصريح من الجبهة ببلوغ وضعهم “مرحلة الخطر”، مع إعلانهم محاولة “إعادة ترتيب الأوراق” بعدما أدركوا استحالة تجاوز المقترح المغربي للحكم الذاتي، كحل واقعي وحيد يحظى بدعم دولي متزايد.

فشل داخلي وانهيار بالمخيمات

الاجتماع الطارئ جاء كرد فعل على سلسلة من الإخفاقات الداخلية والانكسارات الخارجية، حيث تشهد مخيمات تندوف أوضاعًا مأساوية غير مسبوقة. تفشى الفساد الإداري، وتفاقمت مظاهر الجريمة المنظمة والعنف، وارتفعت حدة الغضب الشعبي، خاصة وسط الشباب الذين لم يعرفوا إلا حياة البؤس والمخيمات بلا مستقبل ولا أمل.

بالإضافة إلى الفوارق الاجتماعية بين القيادات والقاعدة التي أصبحت صارخة، عجزت قيادة الجبهة عن معالجة الأوضاع، مما أدّى إلى تصاعد موجة احتجاجات وقمع واعتقالات طالت العشرات من النشطاء الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف.

عجز دبلوماسي وخسائر متتالية

على المستوى الخارجي، عاشت الجبهة انكماشًا دبلوماسيًا حادًا، حيث تراجعت عدة دول عن دعمها للبوليساريو، بينما أصبح الخطاب الدولي أكثر ميلاً للاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه. وقد أكدت ذلك عدة تقارير حول الملف المفتعل.

الانتصارات السياسية والدبلوماسية المتواصلة التي حققتها الرباط عمقت عزلة البوليساريو بشكل واضح، ووضعتها أمام واقع دولي جديد لا يرحم الكيانات الوهمية.

وأصبحت الجزائر، الراعي الإقليمي، تتخبط، حيث دخل النظام العسكري بدوره مرحلة من الصدمة غير المسبوقة. التدهور الاقتصادي، والاحتقان الاجتماعي الداخلي، والتحولات الجيوسياسية الإقليمية، جعلت النظام العسكري الجزائري في موقف ضعف شديد، زاده سوءًا صعود الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب، التي تتحضر لفرض رزمة عقوبات بسبب ممارسات الجزائر المزعزعة لاستقرار المنطقة.

وفي ظل هذا الواقع القاتم، لجأ النظام الجزائري إلى تصعيد سياساته العنصرية ضد الصحراويين المحتجزين في تندوف، وخصوصًا الطلبة منهم، مستخدمًا أساليب التعنيف الجسدي واللفظي، في محاولات يائسة للتضييق عليهم وإضعاف ما تبقى من مشروع البوليساريو المنهار.

انفلات أمني وتحول المخيمات إلى ساحات حرب

أصبحت مخيمات تندوف تعيش حالة انفلات أمني خطير، حيث باتت مشاهد تبادل إطلاق النار العشوائي فوق رؤوس النساء والأطفال مشهدًا مألوفًا. الاشتباكات المسلحة لم تعد تقتصر على عناصر البوليساريو فيما بينهم فحسب، بل امتدت لتشمل اشتباكات دامية مع عناصر من الجيش الجزائري، مما حوّل المخيمات إلى ساحات حرب حقيقية.

مقاطع فيديو موثقة أظهرت حجم الرعب الذي يعيشه المدنيون العزل في المخيمات، حيث تتصارع الفصائل المسلحة المتطرفة المرتبطة ببعض الأجهزة الأمنية على النفوذ والمصالح، وسط غياب كامل لأي حماية أو تدخل حقوقي.

تهديد إرهابي داهم

الأخطر من ذلك أن شباب المخيمات أصبحوا فريسة سهلة لشبكات التهريب والتنظيمات الإرهابية الناشطة في الساحل والصحراء. التقارير الأمنية حذرت من وجود عناصر تم تجنيدهم داخل الجماعات الإرهابية، مما ينذر بتحول تندوف إلى بؤرة تهديد إقليمي حقيقي، يصعب احتواؤه مستقبلاً.

بالإضافة إلى النزاعات القبلية التي تسرّع الانهيار، عادت الخلافات على توزيع المساعدات والمناصب المحدودة إلى الواجهة، مما حول المخيمات إلى كانتونات قبلية متناحرة، عاجزة حتى عن تأمين استقرار داخلي بسيط.

اعتراف بالهزيمة ومحاولة يائسة للإنقاذ

الاجتماع الأخير الذي عقدته قيادة البوليساريو، رغم كل خطاباته التقليدية عن “التصدي للمؤامرات”، لم يكن إلا اعترافًا ضمنيًا بالهزيمة الشاملة، ومحاولة يائسة لترتيب بيت منهار بعدما استوعبوا أخيرًا أن المشروع الانفصالي قد وصل إلى نهايته المحتومة.

اليوم، تقف البوليساريو أمام مفترق طرق مصيري: إما القبول بالأمر الواقع والانخراط في حل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، أو الانزلاق نحو مزيد من الفوضى والانهيار، في زمن لا يرحم الكيانات الوهمية ولا المغامرين المغرورين.

لهذا نؤكد ختامًا، مع تصاعد الفوضى في مخيمات تندوف والانقسامات الداخلية التي تهدد بولادة صراعات دموية، تزداد عزلة البوليساريو على الصعيدين الإقليمي والدولي.

في ظل غياب أي أفق سياسي واضح، باتت الجبهة أمام مفترق طرق حاسم: إما القبول بالواقعية السياسية عبر قبول مقترح الحكم الذاتي المغربي، أو الانزلاق أكثر نحو العزلة والانهيار التام.

في النهاية، لن يكون مصيرها إلا انعكاسًا لتسارع الأحداث في منطقة لا ترحم الضعفاء.

https://anbaaexpress.ma/y7n7o

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى