حميد عقبي
تفتح لنا الشاعرة المصرية مروة أبو ضيف نوافذ متعددة على عالمها الداخلي المشحون بالأحلام والكوابيس، حيث تتقاطع الرغبة في التحرر مع الاعتراف المؤلم بالقبح والقيود، ومع الخراب الذي يصيب عالمنا، لا بوصفه خبرًا أو توثيقًا، بل كـرغبة ملحّة لاكتشاف معنى اللحظة، ومعنى الحياة والجمال.
إنه نص لا يبوح، بل يهمس. لا يفسّر ولا يسرد، بقدر ما يترك أثرًا مربكًا وشفّافًا في دواخلنا. وفي هذا الهمس بالتحديد تكمن قوة النداء… النداء الخفي الذي يجعلنا ننصت أكثر لما لم يُقال.
النص:
لا تدعهم يخبرونك أنك جميل
أنت تعرف النقط السوداء
وقوافل الراحلين بالداخل
والجمال سلعة تالفة
بالغ السفهاء في تقديرها
انظر
ملائكة سوداء
نيران عالية وكراهية
حقيقة
مثل كل ما يحدث بالخارج
الموت يكبر على الجهتين
لا تدعهم يخبرونك أنك جميل
أنت قبيح وسيء
وهذا أجمل ما في الأمر.
تحليل:
في هذا النص، تنبعث الكلمات من ظلمة داخلية، قد تكون مختبئة في دواخلنا جميعًا، لتشكّل صرخة خافتة لكنها صارخة. لا تقول مروة أبو ضيف الحدث مباشرة، لأنها تعشق الهمس بين السطور. تقول لنفسها أولًا: “لا تدعهم يخبرونك أنك جميل”، جملةٌ اعتراضية في ظاهرها، لكنها في العمق رجاء مشوب بالخوف والقلق، كأن الشاعرة تستنجد بنا ألّا نصدق هذا العالم المخادع، المهووس بالقشرة، العالم السطحي السفيه.
الجمال هنا ليس وصفًا ولا بضاعة، بل طيفٌ مكسور، سلعة “تـالفة” يحترف السفهاء تلميعها على موائد الزيف.
النص يمشي فوق جسرٍ ملتهب، آيلٍ للسقوط، والشاعرة في المنتصف، تكتب من هناك، حيث تتقاطع السخرية الموجعة مع رغبة خفية في النجاة. “ملائكة سوداء”، “نيران”، “كراهية”… إشارات مشوشة لعالمٍ يتهاوى، حيث كل شيء قابل للاحتراق، حتى الجمال، حتى الملائكة، حتى الروح ذاتها.
تتلاعب مروة باللغة كما لو أنها تخفي نداءً خفيًا خلف النفي، فالنفي يتحوّل إلى كشف، والإنكار إلى ضجيجٍ فاضح. تقول: “أنت قبيح وسيء”، لكن في الفراغات، هناك حنينٌ إلى جمالٍ مغترب، مكسور، متوارٍ.
لا تحكي الشاعرة حكاية، ولا تلقي خطبة، بل تحذف أكثر مما تُظهر، وتدعونا لملء الفراغات، للاعتراف بأننا ربما أضعنا الجمال… لكننا ما زلنا نبحث عنه، رغم كل شيء.
خاتمة:
هكذا تمضي القصيدة كوميضٍ خافت في عتمةٍ سوداء كثيفة، لا تصرخ لكنها تترك أثرها كالحبر السري، يكشف عن نفسه فقط لمن يُحسن الإصغاء… لمن يريد أن يزيح الظلمة عن روحه وينقذ قلبه من تلوث النقاط السوداء.
عن الشاعرة:
مروة أبو ضيف شاعرة مصرية مقيمة في كندا. بدأت رحلتها مع الشعر في سن مبكرة، حيث كتبت قصائد قصيرة بالعامية المصرية خلال طفولتها. تتميز أعمالها بالغوص في الذات والبحث عن معاني الحياة والجمال.
تنثر قلقها، أحلامها، وأسئلتها في كل نص تكتبه، وقد أصدرت عدة دواوين شعرية منها: مدينون لك أيها اليأس، منهك كأنه المعجزة، وذاكرة رحيل.
* ناقد ومخرج سينمائي يمني مقيم في باريس