حديث الساعةسياسة
أخر الأخبار

المشهد الحزبي المغربي على صفيح ساخن.. صراعات مفتوحة تسبق الانتخابات

حزب "العدالة والتنمية"، وبعد الضربة القاسية في انتخابات 2021، يبدو في طور إعادة التموضع كفاعل مركزي في المعارضة.

قراءة تحليلية في خلفيات وتداعيات هذا الاحتقان السياسي، تسلط الضوء على خبايا الوضع الحزبي الراهن، وتكشف ملامح المواجهة المرتقبة في انتخابات 2026.

كما يقال: “المناسبة شرط”. في هذه القراءة التحليلية، من مقالات حديث الساعة نقف عند مشهد حزبي مغربي يعرف غليانًا غير مسبوق مع إقتراب الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

إن الأحزاب المغربية تشتعل من الداخل، والصراعات باتت علنية بين الحكومة والمعارضة. فهل نحن على أعتاب عودة “العدالة والتنمية” إلى الواجهة؟ أم أمام تغيير حقيقي؟ أم مجرد إعادة تدوير لأزمة مستمرة؟

غليان حزبي قبيل نهاية الولاية الحكومية

مع إقتراب نهاية الولاية الحالية، دخل المشهد الحزبي المغربي مرحلة من التوتر السياسي الحاد، عنوانها الأبرز: احتدام الصراع بين أحزاب المعارضة والتحالف الحكومي، وعودة حزب “العدالة والتنمية” إلى الواجهة، بعد فترة من التراجع أعقبت هزيمته المدوية في انتخابات 2021.

فبينما طبع الهدوء النسبي السنوات الأولى من ولاية الحكومة التي يقودها حزب “التجمع الوطني للأحرار”، بدأت التوترات السياسية تطفو على السطح. تصاعد الاحتجاجات الشعبية، وتفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، شكّلا أرضية خصبة لصعود خطاب المعارضة، التي تسعى بكل قوة لحشد الدعم استعدادًا للانتخابات التشريعية المرتقبة في 2026.

كما أن أحزاب المعارضة، وعلى رأسها “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، و”الحزب الاشتراكي الموحد”، و”حزب العدالة والتنمية”، تبنّت في الآونة الأخيرة خطابًا هجوميًا تصعيديًا تجاه أداء الحكومة. الانتقادات طالت السياسات الاجتماعية، وارتفاع الأسعار، وتعثر الإصلاحات، إلى جانب اتهامات مباشرة للحكومة بـ”الارتهان للتكنوقراط” وتهميش العمل السياسي.

في المقابل، تحاول الحكومة الدفاع عن حصيلتها، مبرزة إنجازات في مجالات كرقمنة الإدارة، جذب الاستثمارات، والدبلوماسية الاقتصادية. غير أن خطابها يظل، في الغالب، بلا صدى شعبي واضح، ويجعلها في موقع رد الفعل بدل الفعل.

“العدالة والتنمية”: من النكسة إلى الهجوم المضاد

حزب “العدالة والتنمية”، وبعد الضربة القاسية في انتخابات 2021، يبدو في طور إعادة التموضع كفاعل مركزي في المعارضة.

تبنّى الحزب خطابًا هجوميًا مباشرًا يستهدف الحكومة، وخصوصًا رئيسها عزيز أخنوش، متهمًا إياها بتراجع ديمقراطي وتهميش إرادة المواطنين.

عودة الحزب تجلّت في نشاط برلماني متصاعد، ولقاءات جهوية مكثفة، وبيانات سياسية لافتة. كما أن رفض الحزب توجيه الدعوة إلى عزيز أخنوش لحضور مؤتمره الوطني التاسع المرتقب يومي 26 و27 أبريل الجاري، يكشف عن تصعيد متعمد، وتأكيد على القطيعة السياسية بين الطرفين.

في سياق متصل، جدد الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، دعوته لوزارة الداخلية من أجل صرف منحة تنظيم المؤتمر، والمقدرة بـ130 مليون سنتيم، في خطوة تعكس إصرار الحزب على إعادة التموضع من موقع قوة لا استجداء.

تحالف حكومي هش وصراعات داخلية خفية

ورغم ما يبدو من انسجام بين مكونات التحالف الحكومي (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال)، إلا أن تسريبات متكررة تكشف عن توترات داخلية، خصوصًا بين قيادات “الأحرار” و”الأصالة والمعاصرة”، حول ملفات حساسة وتموقعات مستقبلية.

هذا التوتر الصامت قد يتحول إلى صراع مكشوف كلما اقترب موعد الانتخابات، لا سيما في ظل الطموحات الشخصية للقيادات، وسعي كل حزب إلى تصدر المشهد السياسي المقبل.

أخطر ما يواجهه المشهد الحزبي المغربي اليوم هو انعدام ثقة المواطن. فعلى الرغم من الوعود المتكررة التي تُطلق قبيل كل استحقاق انتخابي، لا تزال ذاكرة المغاربة مثقلة بخيبات الوعود السابقة، وبالأخص تلك التي رافقت انتخابات 2021.

وإن كان هذا الصراع الحزبي يشير إلى حيوية ديمقراطية معينة، إلا أنه لا يكفي في ظل استمرار منطق الولاءات، وتهميش الشباب، وتعمق العزوف السياسي، ما قد ينذر بمشهد انتخابي باهت إن لم تحدث مراجعة جذرية للقواعد السياسية القائمة.

ختامًا، يبدو أن الصراع الحزبي المغربي الحالي يتجاوز مجرد تنافس انتخابي عادي. إنه في جوهره امتحان حقيقي لمصداقية النظام الحزبي برمّته.

فإما أن تُحسن الأحزاب استثمار هذا التوتر لإحياء الحياة السياسية وبناء تعاقد جديد مع المواطن، أو تسقط جميعها في فخ المزايدات السياسوية، تاركة الساحة لخيبة أمل أعمق… وربما لمفاجآت سياسية غير متوقعة.

وجدير بالذكر، ما يميز الصراع الحزبي الراهن في المغرب ليس فقط حدّته، بل أيضًا طابعه “النفعي”، حيث تطغى الحسابات الشخصية والانتخابية الضيقة على أي مشروع وطني جامع. فالتحالفات تُبنى وتتفكك بناءً على موازين الربح السياسي لا من منطلق التقارب الإيديولوجي أو الالتقاء حول رؤية تنموية موحدة.

كثير من القيادات الحزبية تُدير الصراع بمنطق “المكسب والخسارة”، لا بمنطق الواجب والمسؤولية. وبدل أن تتحول الأحزاب إلى أدوات تأطير سياسي وبناء ديمقراطي، تحولت في بعض الأحيان إلى منصات لتصفية الحسابات، أو وسائل لتحقيق مصالح فردية ومناصب ظرفية، بعيدًا عن الانشغال الحقيقي بقضايا المواطن وهمومه اليومية.

هذا الواقع، إذا إستمر، سيُفرغ السياسة من مضمونها، ويعمّق أزمة الثقة بين المواطن والفاعلين السياسيين، ويجعل من الانتخابات القادمة مجرد لعبة كراسي لا أكثر، في ظل غياب مشاريع حقيقية تؤسس لمغرب المستقبل.

https://anbaaexpress.ma/a94vk

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي وإعلامي خبير في الشأن المغاربي مدير عام أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى