حديث الساعةسياسة
أخر الأخبار

العدل والإحسان بين خطاب التقويض وواقع المغالطات: قراءة نقدية من الداخل

تصريحات الجماعة ليست مجرد مواقف نقدية ظرفية، بل هي تعبير عن مشروع قديم/جديد قائم على نفي شرعية الدولة الوطنية الحديثة، واستبدالها بتصور “الخلافة” التي لا تقدم الجماعة عنها سوى عناوين فضفاضة. وهي بذلك ترفض الملكية، لا فقط من منطلق ديني كما تدّعي، بل كخيار استراتيجي يهدف إلى إسقاط الشرعية التاريخية والدستورية والدينية عن المؤسسة الملكية المغربية.

في ظل تجدّد الجدل حول التصريحات المتكررة لبعض قياديي جماعة “العدل والإحسان”، والتي تستهدف بشكل مباشر المؤسسة الملكية وتصفها بـ”النظام الوراثي المرفوض”، يبدو من الضروري إعادة فتح نقاش هادئ وعميق حول هذه الجماعة، ليس فقط من منظور سياسي، بل عبر تفكيك بنيتها الفكرية وتموقعها ضمن الحقل الإسلامي المغربي، ومقارنة خطابها بما يحدث فعليًا على أرض الواقع، داخليًا وخارجيًا.

وبحكم تجربتي الممتدة وتعاطيي المباشر مع عدد من التنظيمات الإسلامية بالمغرب، أزعم أن لي إلمامًا كافيًا يمكنني من قراءة خطاب جماعة العدل والإحسان من زاوية داخلية، تسلط الضوء على ما تختزنه شعاراتها من مغالطات، وتحلل دوافعها الإستراتيجية، لا سيما في هذا التوقيت الدقيق.

للإشارة، توجهات جماعة العدل والإحسان، وأفكارها، وحتى تصورها الديني معروف منذ عقود، حيث يقوم على مرجعية خاصة تؤمن بعقيدة “المنهاج النبوي” الذي صاغه مؤسسها الراحل عبد السلام ياسين، وهو تصور يبتعد في كثير من الأحيان عن الاجتهاد الفقهي الوسطي المعتمد في المغرب، ويطرح نفسه كبديل شامل للنظام القائم، لا فقط سياسيًا بل دينيًا ومجتمعيًا أيضًا.

خطاب التقويض: محاولة دائمة لنزع الشرعية

تصريحات الجماعة ليست مجرد مواقف نقدية ظرفية، بل هي تعبير عن مشروع قديم/جديد قائم على نفي شرعية الدولة الوطنية الحديثة، واستبدالها بتصور “الخلافة” التي لا تقدم الجماعة عنها سوى عناوين فضفاضة.

وهي بذلك ترفض الملكية، لا فقط من منطلق ديني كما تدّعي، بل كخيار استراتيجي يهدف إلى إسقاط الشرعية التاريخية والدستورية والدينية عن المؤسسة الملكية المغربية.

والمفارقة أن هذا الخطاب يأتي في وقت يعرف فيه المغرب طفرة تنموية ملحوظة، واستقرارًا سياسيًا نادرًا في محيط إقليمي مضطرب، وانتصارات دبلوماسية متوالية، خصوصًا في ملف الصحراء المغربية. فهل هي مجرد صدفة أن تُرفع أصوات التشكيك في هذا الظرف بالذات؟

ركوب الجماعة على قضية غزة: توظيف سياسي لأزمات خارجية

الجديد في خطاب الجماعة مؤخرًا، هو محاولتها ركوب موجة التعاطف الشعبي المغربي الواسع مع قضية غزة، لتسويق أطروحاتها ومهاجمة الدولة ومؤسساتها.

لكن المتابع بتمعن يرى أن هذا التعاطف لا يترجم بالضرورة إلى تبني لخطاب الجماعة، التي فقدت الكثير من مصداقيتها داخل المغرب، خصوصًا بعد انكشاف هشاشتها التنظيمية وصراعاتها الداخلية، التي أضعفتها بشكل ملحوظ.

الأخطر من ذلك أن خطاب الجماعة يتماهى، ولو بشكل غير معلن، مع الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، في وقت تعرف فيه طهران عزلة إقليمية ودولية متصاعدة بعد فشل مشروعها في سوريا ولبنان، ومحاولة تعويض هذا التراجع بتحريك واجهات بديلة في بلدان أخرى، منها المغرب.

في هذا السياق، تبرز أطراف تحاول التشويش من خلال تمرير رسائل سياسية ملغومة ومغالطات كبرى، وهو ما يجعل التوقيت نفسه محل تساؤل واستغراب!؟.

مغالطات الجماعة الثلاث: تفكيك مفاهيمي

1. مغالطة نفي الشرعية: الجماعة ترفض النظام القائم لأنه لا يتوافق مع تصورها “للخلافة”، متجاهلة أن الشرعية في المغرب ليست فقط دينية، بل تاريخية ودستورية وشعبية، تقوم على عقد البيعة وتماسك الدولة الحديثة.

2. مغالطة احتكار التمثيل الديني: تتعامل الجماعة مع الدين وكأنه حكر عليها، متهمة باقي الفاعلين بالتنازل أو التواطؤ، رغم أن المغرب يعرف تعددية فكرية ومذهبية تحميها الوثيقة الدستورية.

3. مغالطة البديل المجهول: رغم خطابها الراديكالي، لا تقدم الجماعة تصورًا عمليًا للدولة الحديثة، بل تظل حبيسة شعارات غير قابلة للتنزيل الواقعي، مما يضعها في خانة “اليوتوبيا السياسية”.

تراجع التأثير وفقدان القاعدة التنظيمية

الواقع اليوم أن الجماعة لم تعد تملك نفس الحضور الشعبي أو التنظيمي الذي كانت تملكه قبل سنوات. فقدت كثيرًا من أطرها، وعرفت شقوقًا داخلية أضعفت بنيتها، وصار أغلب المتعاطفين مع خطابها من خارج التنظيم، يدعمونها فقط من منطلقات عاطفية أو رمزية، خصوصًا في قضايا مثل فلسطين، دون أن يعني ذلك تبنيًا لخطابها السياسي.

المؤسسة الملكية: ركيزة استقرار ونموذج تفاعل حضاري

في المقابل، أثبتت المؤسسة الملكية قدرتها على التفاعل مع التحديات المجتمعية والسياسية، وقدمت نموذجًا فريدًا يجمع بين الاستمرارية والانفتاح، وهو ما مكن المغرب من الحفاظ على استقراره في زمن سقطت فيه أنظمة وتفككت مجتمعات.

ختامًا: لابد من الإشارة بأن المغرب يفتح باب حرية الرأي والتعبير، في إطار احترامه لحقوق الإنسان لكن دون المساس بالثوابت الجامعة التي تشكل الأساس الصلب لوحدة البلاد واستقراره.

في وقت يتطلب من المغرب مزيدًا من التماسك والوحدة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لا يبدو أن هناك حاجة لمشاريع تقويضية تنبني على خطاب مزدوج وشعارات فضفاضة.

بل الحاجة اليوم لحوار وطني رشيد، يقوم على قاعدة الثوابت الجامعة، ويهدف لتحصين النموذج المغربي الفريد الذي يقوده ملك البلاد بحكمة وتبصر، ويحقق مكاسب تنموية وسياسية متسارعة على أكثر من صعيد.

يتبع…

https://anbaaexpress.ma/3izgi

عثمان بنطالب

ناشط حقوقي دولي خبير في الشأن المغاربي و الإفريقي، مدير عام أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى