دكتور/حسن شايب دنقس
إطلعت على ما خطه يراع صديقي دكتور هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي المعروف فيما يتعلق بإنشاء الصندوق القومي لإعادة الإعمار والتنمية في السودان، و على ما أذكر لدينا تجربتان ليست ببعيدتان هما صندوق إعمار الشرق و دارفور و يمكن إضافة صندوق الوحدة الجاذبة التي أفرزتها اتفاقية 2005 للسلام.
هل حققت تلكم الصناديق الفائدة المرجوة لأهل المصلحة وهل عملت على إعادة الإعمار الاجتماعي قبل المادي؟ أي التنمية العمرانية و الاقتصادية.. الخ لأن هنالك خلل بنيوي مركب أجده في هذه الصناديق تغفل عن تنمية و إعمار الإنسان الذي هو أس التنمية المناط بالحفاظ عليها، بل و المساهمة في إعمارها و إنشائها لا زال إنسان تلكم المناطق التي أنشئت من أجلها الصناديق يعاني من عدم قبول الآخر و الإستنصار بالقبيلة لتحقيق الأهداف الذاتية، و من عدم توفر متطلبات الحد الأدنى لحياة كريمة لا أقصد الرفاهية إنما حق الصحة و التعلم و الأمن، لذلك من جهة نظري أجد أنها فشلت و لم تحقق أهدافها لعدة أسباب أهمها الفساد و غياب الرؤى.
المبادرة التي أشار إليها دكتور هيثم هي خطوة استراتيجية ومهمة في ظل التحديات التي تواجه البلاد خاصة بعد ما خلفته الحرب من دمار واسع في البنية التحتية وانهيار شبه كامل في مؤسسات الدولة الاقتصادية والخدمية.
إن الدعوة إلى تأسيس هذا الصندوق، يأتي في توقيت بالغ الأهمية إذ يمثل هذا المقترح بوابة لفتح أفق جديد نحو التعافي الاقتصادي والاجتماعي من خلال رؤية وطنية شاملة تعتمد على توظيف الموارد المحلية والدولية بشكل فعال و إستغلالها إستغلال أمثل.
البلاد اليوم في أمسَّ الحاجة إلى آلية مستقرة ومستدامة لإعادة الإعمار وليس مجرد تدخلات إغاثية مؤقتة لذا فإن إنشاء صندوق قومي يعبر عن الإرادة السياسية والشعبية لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وتأسيس بنية تنموية حديثة يعد ضرورة وليست رفاهية هذا الصندوق يمكن أن يكون مظلة تنسيقية تمكّن من توجيه المساعدات والمنح والاستثمارات نحو مشاريع ذات أولوية، مثل إعادة تأهيل البنية التحتية، وتطوير قطاع التعليم، والصحة، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي(المنظومات الاقتصادية)، وتوفير فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل وهو ما يسهم مباشرة في الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
من الناحية الاقتصادية يمكن أن يسهم هذا الصندوق في بناء الثقة بين السودان والمؤسسات الدولية والإقليمية عبر إظهار جدية الدولة في توظيف الدعم المالي بطريقة شفافة وفعالة، بعيداً عن الفساد وسوء الإدارة، كما أن الصندوق يمكن أن يكون بوابة لإشراك القطاع الخاص السوداني والمغتربين في مشاريع وطنية ذات أثر ملموس من خلال آليات تمويل مبتكرة كالسندات الوطنية، وصناديق الاستثمار التنموية، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهذه الأدوات إذا ما أُديرت باحتراف ستخلق روافع قوية للنمو الاقتصادي.
نجاح هذا الصندوق يتطلب إرادة سياسية واضحة وتوافقاً وطنياً حول أولوياته إضافة إلى بنية مؤسسية قوية تعتمد على الشفافية والحوكمة الرشيدة، لا بد أن تكون آلية إدارة الصندوق مستقلة بعيدة عن التجاذبات السياسية الضيقة، وتخضع لمعايير محاسبية صارمة مع إشراك ممثلين من منظمات المجتمع المدني والخبراء الاقتصادي والمجتمعات المحلية في رسم سياساته وتحديد أولوياته.
إن تجربة العديد من الدول الخارجة من النزاعات تثبت أن صناديق إعادة الإعمار قد لعبت أدواراً محورية في إعادة بناء الدول وتحقيق التحول نحو التنمية المستدامة شريطة أن تكون مؤسسة وطنية بامتياز ذات رؤية واضحة ومصادر تمويل متعددة، وتخطيط استراتيجي بعيد المدى لذا يجب أن تحظى مثل هذه المبادرات بالدعم من مختلف الفاعلين الوطنيين، وأن تدرج ضمن أولويات الحكومة الانتقالية و حكومة ما بعد الحرب باعتبارها حجر الزاوية في إعادة بناء السودان على أسس جديدة من العدالة والتنمية المتوازنة.
* مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية و الاستراتيجية
تعليق واحد