عبد الله فضول
كثيرا ما يتسلل الخوف إلينا دون استئذان، يسيطر على الجسد ويعبر عن نفسه بوجع في البطن أو خفقان في القلب. هو شعور غامض، يفرض وجوده حتى حين تعجز عن تحديد سببه، وكأن النفس تحاور مجهولًا لا تستطيع رؤيته ولكن تشعر به بعمق.
ذلك الإحساس الغامض بالخوف، الذي يداهمك بلا تفسير، يبقى معلقًا كظلٍ مجهول. ثم، بعد يوم أو أيام، يحدث أمر ما، فتدرك فجأة أن ذلك الحدث هو مصدر ذلك الشعور المقلق. وكأن اللاوعي كان يدركه قبل أن يتجسد في الواقع.
ربما ما يحدث يدل على أن أرواحنا قادرة على استشعار ما لا تستطيع عقولنا إدراكه في وقته. فتشعر بالخوف قبل أن يتجلى الحدث أمامنا. أو ربما نحن مرتبطون بعالم غامض داخلنا، حيث تتفاعل مشاعرنا مع إشارات خفية، لنكتشف حقيقتها لاحقًا حين يتكشف المجهول. إنها دعوة للتأمل في أعماقنا أكثر.
ما نخافه، رغم أنه يرتبط بالمستقبل، يحمل جذوره في السياق الذي نعيشه في الحاضر. الحدث الذي يحدث لاحقًا، ويكشف سبب الخوف، يكون دائمًا جزءًا من الواقع الذي يتفاعل معه الإنسان في لحظته الحالية. الخوف هنا يصبح انعكاسًا لارتباط عميق بين التجربة الحاضرة والمستقبل الذي يتشكل من خلالها.
وبالاعتماد على هذا التحليل، يمكننا أن نختار رؤية أكثر هدوءًا للأحداث القادمة، إذ أن فهم الواقع بشقيه الخاص والعام يمنحنا أدوات لتجاوز الغموض. مواجهة الخوف بعقلانية، ومن خلال تقييم السياقات المحيطة، تخلق مساحة للطمأنينة، حيث يتحول الغموض إلى وضوح، والقلق إلى استعداد.
هذا خلق الله. ولعل ما في هذه الأسرار مايدعونا إلى التأمل، والتفكير في رسائل خفية تحملنا نحو معرفة أعمق بأنفسنا وبما حاولنا.
(وفي أنفسكم افلا تبصرون) سورة الذاريات الآية 21.
* كاتب مغربي