صدر الظهير البربري خلال مرحلة تميزت بنضج المخططات الاستعمارية، التي بدأت مرتبطة بالبحث السوسيولوجي وانتقلت لتتجسد في طابع مدرسي، وفي مرحلة ثالثة حاولت اختراق البنية الاجتماعية والثقافية المتماسكة، باعتماد آليات قانونية كانت تستهدف شرعنة أطروحة الفصل بين العرب والأمازيغ.
وإذا كانت الحركات العرقية الأمازيغوية، اليوم، تحاول ممارسة تطهير مجاني لصالح المرحلة الاستعمارية، عبر التركيز على الطابع القانوني/التشريعي للظهير البربري؛ في نسختيه (1914-1930) باعتباره نصا قانونيا صرفا لا يحتمل أي تأويل آخر، فإن السياق الذي صدر فيه الظهير البربري يدحض هذا الاعتبار، خصوصا وأن الدعاية الاستعمارية، حين صدوره، كانت تروج لهذه القراءة القانونية التقنية، بينما كانت تسعى إلى إخفاء التوجه الاستعماري القاضي بفصل الأمازيغ عن العرب.
ولعل هذا التوجه الاستعماري، هو ما فطن له الوطنيون المغاربة وقاموا لمناهضته، وذلك لأن الظهير البربري جاء تتويجا لمخططات استعمارية سابقة كانت تسير في نفس الاتجاه. ولذلك، فقد شكّل صدوره أهم حدث في تاريخ المغرب الحديث لأنه دشن لمرحلة جديدة من النضال الوطني ضد المخططات الاستعمارية التي كانت تسعى إلى تقسيم المغرب عرقيا لتسهيل مهمة تقسيمه ترابيا، وبالتالي تحقيق السيطرة الكاملة على التراب والعباد.
و لذلك، لا يمكن للباحث السوسيو-ثقافي أن يغفل تلك العلاقة القائمة بين البحث السوسيولوجي الكولونيالي والمخططات الاستعمارية، فقد كانت السوسيولوجيا، خلال هذه المرحلة، المجال العلمي الخصب لاختبار آليات وأدوات السيطرة على المغرب، دولة ومجتمعا، ولعل ذلك هو ما تؤكده البحوث السوسيولوجية و الأنثربولوجية التي حاولت تحليل البنية الاجتماعية والثقافية للمغرب، مستهدفة تسهيل المهمة العسكرية، في الأخير، وخصوصا مع تجربة البعثة العلمية لميشو بلير وروبير مونتاني.
فحسب الباحث المغربي (محمد الغيلاني) كان ميشو بلير، أول من انتبه ودعا إلى توظيف الثنائية؛ العرب/البربر، وهي الثنائية التي استندت عليها الحماية لدعم تغلغلها، وتلك الأطروحة عرفت أوج تبلورها مع صدور الظهير البربري سنة 1930، كوسيلة للهيمنة الكولونيالية.
ويضيف الباحث أن هذه الثنائية ذات البعد العرقي ستأخذ أبعادا أخرى في أبحاث ميشو بلير وغيره من الباحثين الكولونياليين، عندما بدأ الحديث عن بلاد السيبة وبلاد المخزن، والدعوة إلى المحافظة على هذه الثنائية في السياسية الكولونيالية، لما لها من نتائج عميقة ومؤثرة في عمليات السيطرة الفرنسية على المجتمع وإضعاف الدولة وإنهاك قواها.
وإذا كان “ميشو بلير” قد نجح في ترسيخ تقاليد السوسيولوجيا الكولونيالية في المغرب، فإن”روبير مونتاني” قد تجاوز حضوره مجال البحث السوسيولوجي، بالمعنى العلمي للكلمة، فقد كان منظرا استعماريا من الوزن الثقيل، ولذلك كانت أطروحاته تتحول إلى مخططات عسكرية.
ويعد كتابه (البربر والمخزن في الجنوب المغربي) من بين الدراسات الكولونيالية التي جاءت على خلفية سياسة الاحتلال الفرنسي لتقسيم المغرب في إطار ما عرف باسم “الظهير البربري”.
ولعل ذلك هو ما يؤكده تزامن صدور الكتاب مع صدور الظهير عن سلطات الحماية، كما أن الكتاب قد جاء بأطروحة الفصل في سكان المغرب بين العرب والأمازيغ، وبشكل مفصل للغاية وهذا، بالضبط، هو ما سعت المخططات الاستعمارية إلى تجسيده على أرض الواقع، عبر فلسفة قانونية تفصل بين من يحتكم إلى الشرع (العرب) وبين من يحتكم إلى العرف (الأمازيغ)، ومن ثم كان السعي إلى الفصل بين عالمين مختلفين، أحدهما تابع للاستعمار والآخر محارب له.
لقد حاول روبير مونتاني، من خلال أطروحته، العمل على بلورة استراتيجيات لاختراق الدولة والمجتمع، في المغرب، من خلال صياغة فرضية التعارض بين البربر/السيبة والعرب/المخزن، وهذا التعارض هو ما عمل الظهير البربري على صياغته، كإيديولوجيا استعمارين تجعل منه تعارضا اجتماعيا وعرقيا وحضاريا بين العرب والأمازيغ، وذلك بهدف إنجاح المشروع الاستعماري عبر محاولة توطينه في بيئة آمنة وتابعة تقتنع به وتحميه، في مواجهة بيئة معادية كانت تسعى إلى استئصاله.
خلق أسطورة الأماعيزية اصبح شيء واضح