منذ سنوات، تحاول قطر أن تتموضع كلاعب مؤثر في السياسة الإقليمية والدولية، مستفيدة من ثروتها الضخمة ومن شبكاتها الإعلامية والدبلوماسية.
غير أن هذا التموقع غالبًا ما يكشف عن ازدواجية صارخة في مواقفها، خاصة فيما يتعلق بالملفات الحساسة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والعلاقات مع حلفائها المفترضين.
قطر.. وسيط في العلن ومتناقض في العمق
يبرز الدور القطري في احتضان المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل كوجه “نبيل” لدبلوماسية تسعى لتقديم نفسها كوسيط نزيه ومقبول لدى الأطراف المتنازعة.
ومع ذلك، فإن هذا الدور لا يخلو من التباسات، خاصة حين يُنظر إليه في ضوء التخاذل القطري في التعاطي مع السلطة الفلسطينية، وكذلك مع قيادات حماس ذاتها، التي تبدو في كثير من الأحيان وكأنها مُستعملة كورقة تفاوضية أكثر من كونها شريكاً استراتيجياً.
خالد مشعل.. الصوت القطري بلكنة فلسطينية؟
الظهور الأخير لخالد مشعل، المقيم في قطر، وتصريحه بأن “حماس مستعدة لترك السلطة في غزة للسلطة الفلسطينية”، يطرح أكثر من سؤال حول توقيت التصريح وأهدافه الخفية.
فهل كان يعكس فعلاً توجهاً توافقياً داخل حماس، أم أنه مجرد بالون اختبار قطري أُطلق لتليين مواقف معينة، أو لإرضاء ضغوط أمريكية وإسرائيلية؟ إن ما يبدو كـ”مبادرة توافقية” قد لا يكون سوى تموضع سياسي تحاول قطر فرضه على الفصائل الفلسطينية لخدمة أجندتها الخاصة.
للإشارة تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين التي نفت أن تكون قطر داعمة لإيران أو للإخوان المسلمين قد تبدو للوهلة الأولى كضمانة لمصداقية الدوحة، لكنها، في السياق الحالي، تُقرأ كتغطية سياسية على صفقة أكبر.
فالحديث عن استعداد قطر لاستثمار تريليون دولار في أمريكا يكشف الوجه الحقيقي للعلاقات: المصالح الاقتصادية تُغلف الخطاب السياسي، وتجعل من الاتهامات السابقة “قابلة للمحو” متى اقتضت الحاجة.
مناورات مشتركة.. وصفعات إعلامية
في الوقت الذي تحاول فيه قطر تصوير نفسها كداعم للقضية الفلسطينية، تشارك في مناورات عسكرية في اليونان إلى جانب إسرائيل، ما يثير تساؤلات عن انسجام مواقفها.
وبينما تُمارس خطابًا مهادنًا تجاه طهران، لا تتوانى وسائل إعلامها عن التهجم على دول عربية مثل مصر والمغرب، في سياق ممنهج يفتقر إلى الحياد ويعكس أجندة إعلامية معادية لبعض الأنظمة العربية غير المتماشية مع النهج القطري.
البراغماتية القطرية.. إلى أين؟
إن السياسة الخارجية القطرية تُبنى اليوم على تناقضات صارخة بين الادعاءات والممارسات. وبينما تتزين بشعارات الوساطة والدبلوماسية، فإنها تسلك مسارات تشي بخضوع لمعادلات إقليمية ودولية هدفها الأول حماية مصالحها وتعزيز نفوذها، ولو على حساب المبادئ التي تروج لها.
ويبقى السؤال مطروحًا: إلى أي حد يمكن لهذا النهج المزدوج أن يستمر دون أن يفقد مصداقيته نهائيًا لدى الشعوب العربية؟