آراءسياسة
أخر الأخبار

إحاطة ستافان دي ميستورا.. وتباشير حل مشكل الصحراء “تحليل”

إن إحاطة المبعوث الشخصي تعتبر بارقة أمل جديدة، قد تعيد مشكل الصحراء لحجمه الطبيعي الأصلي عن طريق بناء شروط حل متوافق عليه على أساس صلب يستحضر المشروعية التاريخية للمغرب وشرعية تواجده وحكمه للإنسان والتراب بالصحراء منذ قرون، ويستثمر كل جهود الدول الفاعلة في الملف.

الدكتور دداي بيبوط

هل تعجل إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا الأخيرة حول ملف الصحراء وردود الفعل الإقليمية والدولية الإيجابية بشأنها بوادر الحل النهائي لهذا المشكل الذي يعاني من عسر البدايات وتعقيدات التدويل المفتعل وضعف النخب المشتغلة عليه؟

سؤال يتكرر طرحه اليوم، بعد أن أعادت إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام الداعية إلى ضرورة دخول الأطراف النزاع في مفاوضات جادة لإيجاد حل يحظى بقبول الفاعلين الدوليين والإقليمين في الملف إلى اذهاننا جميعا تباشير العودة إلى التفكير في حلول خلاقة لهذا المشكل تعيدنا إلى نقاشات فترة الستينيات وبداية السبعينيات التي اشتغلت على جوهر المعضلة الاستعمارية للتراب الوطني، وسبل التحرر منها بعيدا عن جدل المقاربات القانونية الدولية وصخب الأطراف المتمصلحة التي دخلت على المشكل وعقدت كل مساراته ومفاتيح الحل فيه.

إن الحلول الممكنة لهذا المشكل لا يمكن ان تخرج عما دأب عليه المغرب من تقاليد دبلوماسية واتفاقات بينية لاستكمال وحدته الترابية واسترجاع أراضيه وأقاليمه المختلفة التي اقتطعها الاستعمار على فترات زمنية متفاوتة، عبر اعتماد معاهدات ثنائية بعيدا عن مشاكل التدويل من خلال استثمار كل وسائل المشروعية التي يمتلكها كبلد أم وأقدم دولة مركزية في شمال غرب إفريقيا، تعرض مجاله لعملية تقطيع ترابي غير مسبوق من لدن القوى الاستعمارية الفرنسية والاسبانية والدولية وعلى فترات متفاوتة.

إن كثيرا من المرددين لأسطوانة المطالبة بتطبيق فحوى القرار 1514 الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 14 نونبر 1660، من أنصار أطروحة الانفصال ووكلائهم الجزائريين يجهلون أو يتجاهلون  أن المغرب هو أول من قدم طلبا بشأن الصحراء ومنطقة سيدي إفني أمام اللجنة الرابعة المكلفة بتطبيق هذا القرار في يونيو  1962 وقد قامت بدراسته سنة 1963، فاعتمدت قرارها الأول بشأن الإقليمين المحتلتين معبرة عن أسفها على تأخير الدولة القائمة بالإدارة في تطبيق أحكام القرار 1514 تلاه قرار آخر اعتبر أول قرار (قرار رقم 2072) يصدر في شأن الإقليمين سالفي الذكر في دجنبر 1665، يلتمس بإلحاح من اسبانيا اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحرير إفني والصحراء.

وقد اعتبر أول ضربة قاصمة لنوايا إسبانيا ومشاريعها المستقبلية في الصحراء وإفني، وردا مباشرا على تلك الأطماع خاصة بعد أن أصدرت مرسوما يقضي باعتبار الإقليمين جزء لا يتجزأ من الأراضي الاسبانية الوطنية، وكان ذلك في نونبر 1958 أي بعد ثلاث سنوات من قبول عضويتها في الأمم المتحدة التي تأخرت إلى سنة 1955 بسبب عزلة نظام فرانكو الدولية.

وبالمحصلة، فإن كانت لهذا التدويل من حسنات فحتما يجب أن تجنيها  الدولة الأم المغرب التي أجبرتها غطرسة نظام فرانكو الديكتاتوري على تغيير سياستها المتبعة في استرجاع أراضيها وجيوبها المستعمرة والاتجاه للتدويل علها تجد سندا في اللوائح الأممية الجديدة، بما يشفي غليلها في تحرير إقليميها المحتلين بعد عقود من المقاومة المسلحة التي خاضتها القبائل الصحراوية المغربية مع بداية القرن 20 لتعطيل السيطرة الاستعمارية على الصحراء، وقرابة نصف عقد من معارك جيش التحرير المغربي في فيافي الصحراء وشمال موريتانيا مرغت أنف الاستعمارين الإسباني والفرنسي لولا ما وقع من مؤامرات، أوقفت عملية التحرير وأدخلت المنطقة في تدبير استعماري جديد حاول الالتفاف على المطالب المغربية المشروعة واللوائح الأممية الصادرة حينها.

وقد كانت اتفاقية تسليم سيدي إفني سنة 1969 للمغرب، وهو المنطقة التي ظلت مرتبطة بالصحراء في كل قرارات الأمم المتحدة وفي التدبير الاستعماري الإداري والقانوني الاسباني إلى جانب سبتة ومليلية منذ 1946، أول تباشير هذه السياسة الاسبانية الجديدة التي حاولت فصل إقليمي الساقية الحمراء ووادي الذهب عن المطالب الوطنية للمغرب وإخضاعها لتدبير جديد يجعلها أكثر ارتباطا بإسبانيا، التي حاولت الالتفاف على الشرعية الدولية ومطالب استكمال الوحدة الترابية للمغرب، وتعقيد الملف بتفاصيل جديدة وأوراق أخرى تطيل أمد المشكل.

لقد كانت غاية الإجراءات الجديدة التي باشرتها الدولة المستعمرة لإقليم الصحراء، عزل الإقليم قانونيا وتدبيريا عن باقي تراب المملكة المغربية، ووضعه في مسار مخالف للمسارات التي عهدها المغرب في تحرير ثغوره وأراضيه المغتصبة، فخطت في سبيل ذلك خطوات حثيثة للي عنق القرارين الدوليين 1514 و2072، بالقيام بإجراءات تدعي من خلالها إسبانيا إشراك الساكنة المحلية في تدبير الإقليم عن طريق تخصيص 3 مقاعد للصحراويين في مجلس النواب الاسباني (الكورتيس) سنة 1963 وهي النسبة التي ارتفعت إلى 6 ممثلين عن الإقليم سنة 1967، ثم إنشاء الجماعة الصحراوية كجهاز شبه تشريعي يدبر بعض القضايا المحلية في ارتباط مباشر مع الحاكم الإسباني.

ارتفعت وتيرة تلك الإجراءات الاستعمارية من خلال البدء في اعتماد إجراءات تأسيس أول تنظيم سياسي محلي يدعى حزب البونس (حزب الوحدة الوطنية الصحراوية) لاحتضان النخب الناشئة بالصحراء، بهدف التأسيس لحكم ذاتي محلي مرتبط بالمتروبول الإسباني، أعقبه الشروع في إحصاء الساكنة موضوع النظام الجديد.

وأمام فشل تلك المخططات الاستعمارية المقنعة، بسبب رفضها من الساكنة المحلية والأطراف الإقليمية حينها متمثلة بالمغرب وموريتانيا، فإن السطات الاسبانية اقتنعت بعدم جدوى تلك السياسات العمياء، مبدية مرونة واستعدادا للبدء في مفاوضات مع المملكة المغربية وجارته الجنوبية الطارئة على الملف بفعل تداعيات التدويل، فكانت ثمرة ذلك اتفاقية مدريد الثلاثية في نونبر 1975 التي أعلنت نهاية الاستعمار الاسباني باتفاقية شبيهة بسابقاتها بالمناطق الخليفية الشمالية والجنوبية للمغرب ومنطقة سيدي إفني، معلنة أن منهجية الحل الوحيدة القابلة للتحقق والنجاح هي الاتفاقات الثنائية وليس ردهات المؤسسات الدولية أو القارية التي لم نجني منها إلى حد الساعة سوى الفشل تلو الفشل والتعقيد الناتج عن ظهور سردية جديدة ألفتها الجزائر والبوليساريو، بالركوب على الملف مستغلة اللوائح الأممية من قرارات وتوصيات لم يكن لهما أي فضل في المطالبة بها إبان صدورها في ستينيات القرن الماضي بسبب عدم وجودها آنذاك كوحدات إقليمية أو منظمات أولا، أو كأطراف بالنزاع في مقام ثان.

إن امتطاء صهوة النزاع جزائريا جاء متأخرا جدا بالنظر للأحداث والسياقات المؤطرة لمشكل الصحراء، في حالة استثمار غير شرعي للتراكم الاستعماري الاسباني السيء بالمنطقة وأجندتها السابقة التي اشتغلت على محاولة فصل الإقليم عن وطنه الأم، بإجراءات فصلنا فيها سلفا، ولم تتفطن لها الدبلوماسية المغربية حينها للأسف، فكانت الموافقة من قبل الجزائر والبوليساريو على نتائج الإحصاء الإسباني بعد رفضه من قبلهما إبان إنجازه سنة 1974 والموافقة على كل التفاصيل التي عارضها المغرب في السابق.

وهو ما يبين بالملموس حجم التلفيق الذي تعرضت له قضية تصفية استعمار، جراء ربطها بمسارين موازيين، أحدهما  إفريقي والأخر أممي  واللذان لم نجني منهما أي فائدة الى حدود اللحظة، سوى وجع فقدان قوافل من الشهداء بلغ 20 ألفا ويزيد خلال عقد ونصف من المواجهات المسلحة وتشتت العائلات الصحراوية المغربية وتعطيل مسيرة الاتحاد المغاربي، وتأجيل اندماجه الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بما يجعله قوة اقتصادية جهوية في جنوب المتوسط تنافس نظيرتها الشمالية.

إن إحاطة المبعوث الشخصي تعتبر بارقة أمل جديدة، قد تعيد مشكل الصحراء لحجمه الطبيعي الأصلي عن طريق بناء شروط حل متوافق عليه على أساس صلب يستحضر المشروعية التاريخية للمغرب وشرعية تواجده وحكمه للإنسان والتراب بالصحراء منذ قرون، ويستثمر كل جهود الدول الفاعلة في الملف.

وتشكل مبادرة الحكم الذاتي الجاد والمسؤول الامل الذي يلوح في الأفق، حافظة للمغرب وحدته الترابية ومانحة للساكنة الصحراوية حق تدبير منطقتها بشكل ذاتي يتجاوزعقبات التعقيد الطارئة التي أوجدتها أنظمة عربية معاصرة، تضمر عداءات للمغرب، كليبيا في فترة السبعينات والثمانينات والجزائر التي ركبت على سردية تخلى عنها الإسبان مبكرا، فصرفت جراء ذلك الاف الملايين من الدولارات على دول ومنظمات وشخصيات في الشرق والغرب وإفريقيا لعشرات السنين، محاولة بذلك صرف أنظار المهتمين والمتتبعين لهذا المشكل عن حقيقته لصالح نهج جديد منمق يدعي القانونية والاكتمال، وهو في جوهره شرود  واضح عن كنه المشكل وحقيقته التي تأبى التلفيق والتدليس على الحقيقة البادية للعيان.

* باحث متخصص في التاريخ الحديث والمعاصر

https://anbaaexpress.ma/0bhk9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى