كثيرة هي أوجاعنا، أوجاع بمسميات كثيرة. نسمع عمّن يعاني من وجع الرأس، وآخرين من وجع المعدة، ووجع المفاصل، ووجع الحمل، ووجع الوحم، ووجع البطن، ووجع العين، ووجع القلب… وظهرت أوجاع من نوع مغاير، مثل: وجع التنمر، ووجع “الحگرة”، ووجع البيروقراطية، ووجع الوشاية المغرضة، ووجع الظلم – وما أكثره – ووجع التسلط، ووجع الزبونية المقيتة، ووجع تبادل المصالح، ووجع شراء الذمم، ووجع الخيانة بأنواعها… وكلها أوجاع مقيتة.
وكل متضرر يريد التخلّص من وجعه أو أوجاعه، وما أكثرها. حياتنا أصبحت جد معقدة، وأوجاعنا جد متداخلة، فكيف السبيل لعلاجها؟ بل كيف لنا أن نعمل على تشخيصها تشخيصًا دقيقًا؟
أسئلة يطرحها كل موجوع مكلوم، فكيف الخلاص من كل هذا؟
سؤال، أو هي أسئلة حارقة محرقة: هل يمكن حلّها بشكل فردي؟ أم أن علينا العمل على حلّها بشكل جماعي؟ أم لابد من حلّها بشكل مؤسساتي؟ أو أن يتعاون الجميع على تجاوزها؟ وهنا تُطرح أسئلة أخرى، من قبيل: هل التربة مساعدة، والظروف مهيأة لهذا الفعل الجماعي من أجل التخلص من هذه الأوجاع المزمنة؟
الأوجاع، في علم الطب، تحتاج إلى تشخيص من طبيب مختص، وبعد التشخيص، تحتاج إلى أدوية ناجعة للتخلص منها. فكيف إذا كان الطبيب غير مؤهّل؟ وما أكثر نسبتهم في زماننا! الأمر الذي جعل كثيرًا من الناس يلتجئون إلى محرك البحث للبحث عن الحلول، وهذا في حد ذاته مشكل وجب علاجه، ووجع وجب استئصاله.
وهل المواطن له القدرة على الذهاب للطبيب ليشخّص له مرضه؟ ونحن نعلم أن قطاع الصحة لا يقوى على استقبال مرضاه الذين هم بأعداد كبيرة، بسبب سياسات تابعة لصناديق دولية مقرضة. وبالتالي، يكون المواطن مضطرًا للذهاب إلى القطاع الخاص، الذي يدفعه إلى ترك الأمر للقضاء والقدر، لأن مدخوله اليومي أو الشهري لا يكاد يسد بعض احتياجاته وأسرته.
أما عن أوجاع البيروقراطية، فهي كثيرة أيضًا، وخصوصًا ونحن نتحدث عن مجتمعات نامية أو في طور النمو. لا أحزاب، ولا نقابات، ولا مجتمع مدني، ولا مثقفون… يقومون بأدوارهم كما يجب، من حيث التأطير والتكوين وتحديد المسؤوليات والواجبات والحقوق، وتعليم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي حالة الظلم، وجب الالتجاء إلى القضاء.
وفي ظل غياب من لهم هذه الأدوار، تبقى المواجع وتتفاقم، فتكون النتيجة مخيبة للآمال؛ تغيب المسؤولية، ويغيب روح التضامن والتآزر، وتعمّ الفوضى، وتشيع الفاحشة، وينتشر الفساد، وتكثر الجرائم، ويغيب الأمن، ويكثر التشرد، وتزداد نسب الطلاق تفاقمًا، ويصبح الجميع يلعن الظروف التي يعيش فيها.
ويبقى البرلمان منشغلاً نوابه بالصراع البيزنطي والضرب تحت الحزام ومناقشة التوافه، والإعلام غائب مغيَّب عن القضايا ذات الأهمية، والتعليم بعيد عن قيم الوطن، غير مرتبط بمحيط الجامعة وسوق الشغل، وتكثر الهجرة بأنواعها: هجرة أدمغة، وهجرة مراهقين، وهجرة أسر لم تجد ملاذًا آمنًا، ويبقى اللبيب في بلده حيران.
ما العمل إذن؟
سبق أن أجبت عن هذا السؤال في مقالات سابقة، وأعيد الجواب بشكل مختصر:
على الدولة أن تعيد حساباتها وأولوياتها، وعلى الهيئات أن تقوم بأدوارها كاملة، وعلى المواطن أن يعرف حقوقه وواجباته، وأن يكون فاعلاً لا مفعولاً به، ولا رقمًا يُستعمل عند الحاجة، في الانتخابات مثلاً، لتغليب كفة على أخرى، والمقصود ترجيح كفة الفساد.
وعلى المثقف أن يقوم بدوره في التوعية، وأن يكون حاضرًا بقوة، عوض الانعزال الجبان.