في زمنٍ تهاوت فيه القيم، وتصدعت فيه جدران الأخلاق، لم تعد الحقيقة تُقرأ في سلوك الإنسان، بل صارت تُوزَن بالمادة، وتُقاس بما يملكه لا بما يُؤمن به.
زمنٌ اختلطت فيه الموازين، وساد فيه الصمت على صرخات الضمير، واستُبدلت المبادئ بالنزوات العابرة، حتى أصبحت بعض النساء – إلا من رحم الله – يستبحن أجسادهن برغبة لا بحاجة، ويبعنها في سوقٍ فقد الحياء وتنكّر للإنسانية.
إن أخطر ما يواجه المجتمعات اليوم، ليس الفقر ولا الجهل ولا التخلف، بل هو فقدان البوصلة الأخلاقية، حين تُصبح الأنثى – وهي رمز العطاء والنقاء – سلعة تُعرض، وجسدًا يُساوَم، ووسيلةً تُستخدم في الإعلان والتسلية والربح.
تُباع في صفقات لا حضور فيها للكرامة، وتُشترى بدرهمٍ بخس، لا يُغني ولا يُسمن من جوع.
ما يُؤلم أكثر، أن هذا التنازل لا يكون دومًا وليدَ الحاجة أو ناتجًا عن القهر، بل هو في كثير من الأحيان اختيار واعٍ، تزينه ثقافة استهلاكية مُغلفة بالبريق الكاذب، حيث تُختزل الحرية في الخروج عن الحياء، ويُربط التقدُّم بنزع الحشمة، وتُسَوَّق “الجاذبية” بوصفها رأس مال المرأة الأوحد.
وهنا يكمن الخطر: حين تخون القيم نفسها، وحين تُزَيَّن الرذيلة بلباس الحداثة، وتُقدَّم للأنثى على أنها “قوة”، في حين أنها ليست إلا شكلًا جديدًا من أشكال العبودية، عبودية الجسد هذه المرة، بعد أن كانت عبودية القهر.
هنا يحق لنا أن نتساءل:
هل سقطت الأنثى من علياء القداسة، أم أُسقِطت عمدًا في مستنقع الاستهلاك؟
وهل لا تزال هناك فرصة للعودة إلى الأصل النبيل، حيث كانت المرأة روحًا تُكرَّم، لا جسدًا يُتاجر به؟
رغم كل هذا السواد، تبقى الشموع المضيئة حاضرة. نساء حفظن الجسد والكرامة، ورفعن راية العفة في زمن الانكسار. نساء يُجدّدن الأمل في أن الأنوثة ليست في الجسد، بل في الروح، والكرامة، والعقل، والخلق.
إن المجتمعات لا تنهار فجأة، بل تنهار حين تخون قيمها، وحين تُستبدل المبادئ بثقافة الاستهلاك والرغبة السريعة.
ولعل أولى خطوات الإنقاذ تبدأ بإعادة بناء الضمير الجماعي، وترسيخ ثقافة تحمي المرأة من أن تتحول إلى وسيلة، وتصون جسدها من أن يُعرض في مزاد المادة.
نريدها أنثى حرة، لا جسدًا مُستعبَدًا.. نريدها روحًا سامية، لا صورةً تُستنزف في الإعلانات والمواقع والجرائد الإلكترونية..
نريدها كما أرادها الله: مكرّمة، محفوظة، راقية.. لا كما أرادها تجّار الرغبة: مستهلَكة، مُمتهَنة، عابرة.