في خطوة أقل ما يُقال عنها إنها سقوط مدوٍ للسيادة الوطنية، اختارت القيادة التونسية الحالية، وعلى رأسها الرئيس قيس سعيد، الاصطفاف خلف أجندات خارجية مشبوهة، متجاهلة حقائق التاريخ والجغرافيا، ومرتكبة خطأً دبلوماسيًا قاتلًا لا يُغتفر في حق المملكة المغربية.
لقد شكّل استقبال الرئيس التونسي لزعيم الكيان الوهمي المسمى “البوليساريو” ضربة موجعة لأواصر الأخوة المغاربية، وخرقًا سافرًا لكل الأعراف الدبلوماسية ومبادئ حسن الجوار.
هذه الخطوة ليست سوى دليل إضافي على أن القرار السيادي التونسي أصبح رهينة في يد النظام العسكري الجزائري، الذي يستخدم ورقة البوليساريو كورقة ضغط ضد المغرب، لا حبًا في “تقرير المصير”، بل نكاية في استقرار المملكة ووحدتها الترابية.
وما زاد الطين بلة أن المملكة المغربية أنهت رسميًا مهام سفيرها في تونس، دون تعيين بديل له، في رسالة واضحة تعكس مدى تدهور العلاقات بين البلدين.
العلاقات الدبلوماسية المغربية التونسية اليوم شبه منقطعة، مجمّدة في حالة من القطيعة غير المعلنة، ولا مؤشرات على انفراج قريب.
إن النظام التونسي، وهو يُقحم بلاده في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، يضرب عرض الحائط بمصالح شعبه، ويضع تونس في موقع التابع لا الشريك، المنفذ لا المستقل.
فأين السيادة التي طالما تغنى بها قيس سعيد؟ وكيف يمكن لرئيس دولة أن يقبل بتحويل بلاده إلى أداة طيعة في يد جنرالات الجزائر، في حين أن الشعب التونسي يرزح تحت أزمات خانقة؟
جدير بالذكر، لقد كان جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، واضحًا لا لبس فيه حين صرّح في خطابه السامي بأن “ملف الصحراء هو النظارة التي يرى بها المغرب العالم”، وأن العلاقات الثنائية تُبنى على أساس الموقف من وحدتنا الترابية. من لا يدعم مغربية الصحراء، لا يمكنه أن يطمح إلى بناء علاقات متينة مع المملكة، لأن السيادة الوطنية ليست موضوع مساومة أو حياد كاذب.
إن ما ارتكبته القيادة التونسية ليس فقط استفزازًا للمغرب، بل طعنة في ظهر الشعب التونسي الذي لطالما وقف إلى جانب أشقائه المغاربة في كل المحطات.
فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين فرّطوا في استقلال القرار الوطني، واستبدلوه بولاءات ظرفية تعود على تونس بالخسران المبين.
آن الأوان أن تستفيق تونس من سباتها، وتراجع خياراتها الخارجية، قبل أن تجد نفسها في عزلة إقليمية حقيقية، نتيجة حسابات قصيرة النظر وإملاءات خارجية لا تخدم مصالحها ولا تليق بمكانتها.