أفريقياتمازيغتمنوعات
أخر الأخبار

تافروت.. حين تتحدث الجبال بلغة الجمال الأمازيغي

في حضن الأطلس الصغير، حيث تنساب الجبال بهدوء وتحتضن السماء زرقة أبدية، تنبض تافروت بالحياة كأنها نغمة قديمة من لحن أمازيغي خالد، ليست مجرد بلدة نائية وسط الطبيعة، بل روح تتنفس من ترابها، وتروي حكاياتها بصوت الصخور، وظلال النخيل، وعطر زهر اللوز .

تعتبر مدينة تافروت، أو “جوهرة سوس” كما يسميها أهل المنطقة، والتي تستقبلك من أول لحظة تطأ فيها قدماك أرضها، باللون الوردي الفريد لصخورها، وتلك التكوينات الجبلية المتناثرة كمنحوتات فنية، تجعل منها معرضًا طبيعيًا مفتوحًا، بالأشجار المتناثرة من اللوز إلى الزيتون، والتي تتراقص مع نسمات الريح، فيما تلبس الجبال عباءتها الخضراء في الربيع، معلنة موسم الألوان والحياة .

ومع قدوم موسم تفتح أزهار اللوز، تتحول تافروت إلى قصة مصورة، حيث يلتقط الزوار لحظات نادرة من السحر الطبيعي في مهرجان اللوز، الذي يجذب الزوار من داخل المغرب وخارجه، والذي يحتفي بالفاكهة والإنسان والتاريخ والموروث.

لكن مدينة تافروت ليست جمالًا يُرى فحسب، بل تُحس وتُعاش، إنها مدينة ما زالت تنبض بحضارة أمازيغية ضاربة في القدم، سكانها يتحدثون الأمازيغية “تاشلحيت” بطلاقة، ويعبرون بها عن مكنوناتهم عبر شعر “أحواش”، وحكايات الجدات، ونقوش الحرفيات على الزرابي والحلي .

أسواقها الشعبية ليست فقط مكانًا للتبادل التجاري، بل فضاء ثقافي يعرض ذاكرة جماعية متجذرة من الزربية السوسية بألوانها الدافئة، إلى الفضة المنقوشة يدويًا، حيث يتجلى الإبداع المحلي في أبسط التفاصيل.

ومن أبرز معالم البلدة قصبة “أكادير أوزرو”، تلك الحصن الذي يحمل على جدرانه بصمات الأجداد الذين قاوموا الغزاة بعزيمة الحجر وصلابة الجبل، ومن هناك، يمكن رؤية المدينة وهي تستلقي بهدوء بين الجبال، كأنها تختبئ من صخب العالم لتبقى على صفائها .

ورغم التغيرات التي تطال كل المناطق، ما تزال تافروت تحافظ على إيقاعها الخاص، لم تتخلّ عن طابعها المعماري التقليدي، فبيوتها ما زالت تُبنى من الطين والحجر، متناغمة مع طبيعة المنطقة ومناخها القاسي، أما سكانها، فيحملون في ملامحهم وديعة التاريخ، وفي تعاملهم بساطة الحياة وكرم القلب.

ومع حلول فصل الصيف، تنطلق احتفالات مهرجان “تيفاوين”، حيث تتحول ساحات المدينة إلى مسارح مفتوحة للفلكلور، والرقص الجماعي، والغناء الأمازيغي، في مشهد لا يجتمع فيه الفن فقط، بل الهوية والحب والانتماء.

وفي زمن يركض بسرعة نحو الحداثة، تقف مدينة تافروت بشموخ الجبال التي تحيط بها، لتذكرنا أن الأصالة ليست مجرد حنين، بل أسلوب حياة، وهنا بين صمت الصخور وهمس الزهر، تكتب تافروت فصولاً من حكاية مغربية أمازيغية لا تنتهي…

https://anbaaexpress.ma/s98ay

هشام الزيات

مراسل صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى