آراءمجتمع
أخر الأخبار

بين النكبة وبندقية الثورة.. عبد معروف يروي سنوات الضياع الفلسطيني (حوار حصري)

عملية طوفان الأقصى البطولية عملية يتيمة في ظل الصمت إن لم نقل التآمر العربي على القضية الفلسطينية..

في زمنٍ تجدد فيه المآسي الفلسطينية بصور متعددة، يعود الباحث والصحفي الفلسطيني عبد معروف ليؤرخ لتجربة اللجوء الفلسطيني وما تخللها من نكبات ومعاناة، وذلك في كتابه الجديد “الضياع: الفلسطينيون من النكبة إلى عذابات الهجرة”، الصادر حديثاً عن مكتبة بيسان في بيروت.

بين دفتي هذا الكتاب، يعيد معروف قراءة المحطات المفصلية في تاريخ اللجوء الفلسطيني إلى لبنان، منذ النكبة عام 1948، مروراً بالاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وانتهاءً بتعقيدات الحاضر المليء بالمخاطر الاجتماعية والسياسية والأمنية. وعلى امتداد تسعة عشر فصلاً مدعّماً بالوثائق، يفتح المؤلف ملفات حساسة تتعلق بدور الأونروا، مجازر صبرا وشاتيلا، الانشقاقات الفلسطينية، حرب المخيمات، ومعركة نهر البارد، إلى جانب قضايا المخدرات والسلاح المتفلت والهجرة غير الشرعية.

في هذا الكتاب، لا يوثّق الكاتب فحسب، بل يطرح تساؤلات كبرى حول عبثية السلاح الفلسطيني، وواقع المخيمات، ومصير الحركة الوطنية الفلسطينية، معتبراً أن النكسة لم تكن نهاية الحكاية، بل محطة عابرة في مسار شعب لا يزال قادراً على استنهاض قضيته.

ضيفنا لهذا الحوار الاستثنائي على أنباء إكسبريس هو الصحافي والكاتب “عبد معروف”، الصوت الفلسطيني المخضرم في الصحافة والإعلام، منذ عام 1984شغل منصب مدير مكتب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية لسنوات طويلة، وأصدر عدداً من المؤلفات حول القضية الفلسطينية، أبرزها: الدولة الفلسطينية ومشاريع الاستيطان، التسوية وحرب المياه، وباراك والسلام. شارك في مؤتمرات ثقافية وسياسية، ونشر مقالات ودراسات في عدد من الصحف والمجلات العربية.

في هذا الحوار، سنفتح معه صفحات “الضياع”… ونحاول أن نقترب من معالم هذا الضياع، لنفهمه، ونفهم إمكانيات الخروج منه… وكذلك الحديث عن طوفان الأقصى وغزة ضمن سياق النكبة المستمرة…

وإليكم نص الحوار

في كتاب “الضياع”، تسلط الضوء على محطات الألم الفلسطيني من النكبة إلى الهجرة.. ما اللحظة أو المرحلة التي شعرت أنها كانت الأخطر على الهوية الوطنية الفلسطينية؟

 تعرض الشعب الفلسطيني منذ الأيام الأولى للنكبة عام 1948، وإجباره على الرحيل عن وطنه، لمحطات مصيرية كثيرة، كانت في معظمها محطات آلام ومآسي ونكسات ضاعفت من معاناته الانسانية والوطنية، وكانت انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، إحدى المحطات المشرقة في تاريخ القضية، حيث شكلت بارقة أمل لدحر الاحتلال وتحرير الأرض واستعادة الحقوق الانسانية والوطنية المشروعة.

وحاول الاحتلال خلال العقود الماضية بالتحالف مع قوى ودول خارجية تصفية القضية الفلسطينية، وهزيمة إرادة الثورة  والعزيمة من أجل ضمان هزيمة العرب وانتصاره وتحقيق أهدافه ومخططاته العدوانية، وذلك من خلال تصاعد العدوان والمجازر وتشريد الشعب ومصادرة الأراضي وبناء المستوطنات.

ولا شك أن من أخطر المراحل التي تعرضت لها القضية الفلسطينية وشكلت خطرا حقيقيا على الهزية الوطنية الفلسطينية هي:

• عسكريا: توجيه ضربات عسكرية مؤلمة للثورة الفلسطينية وتصعيد العدوان الاسرائيلي على الحركة الوطنية الفلسطينية وارتكاب مجازر استهدفت الشعب الفلسطيني، خاصة الاجتياح الاسرائيلي للبنان وانسحاب قوات وقيادة ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان ما شكل ضربة قاسية للحركة الوطنية الفلسطينية وإضعافها في ميادين الحرب والسلام.

• سياسيا: شكل التوجه الفلسطيني الرسمي نحو خيار التسوية والمفاوضات مع عدو عنصري خطرا محدقا، أدى إلى إضعاف إرادة القتال لدى المقاتل الفلسطيني، وانقسام الحركة الوطنية الفلسطينية بين خيارات مختلفة ومتصارعة، شهدت خلال العقود الماضية خاصة في سنوات السبعينيات والثمانينيات اقتتالا داخليا بين الفصائل.

ولا شك أن التوجه الرسمي العربي نحو خيار السلام مع الاحتلال كخيار استراتيجي أضعف العامل العربي والفلسطيني في مواجهة الاحتلال وابعد القضية الفلسطينية إلى حد كبير عن الاهتمام العربي ولم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية سوى بالهتافات والشعارات والخطابات والمسيرات الشعبية.

تلك محطات تاريخية يجب التقيق بها ومراجعتها بعد أن شكلت المقتل الرئيسي لارادة النضال والمواجهة مع الاحتلال وشكلت خطرا محدقا على الهوية الوطنية الفلسطينية.

 وثقت في كتابك أدوار “الأونروا” عبر السنوات، كيف ترى اليوم أداءها، وهل مازالت تمثل طوق نجاة للاجئ الفلسطيني أم تحولت إلى شاهد على معاناته؟

 تأسست ” الأونروا” بموجب قرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم 302 في 8 كانون الأول ديسمبر 1949، لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وبدأت “الأونروا” عملها في أيار/مايو 1950، ومنذ ذلك الوقت تقدم “الأونروا” مساعدات إنسانية غذائية وطبية وتربوية وإغاثية للاجئين الفلسطينيين في أماكن عملها الخمسة(قطاع غزة، الضفة الغربية، الأردن، سوريا، لبنان).

وحاولت “الأونروا” أن تلعب دورا في إيجاد حل لقضية اللاجئين بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، بل ذهبت في بعض الأحيان إلى الانخراط في مشاريع كثيرة لتصفية قضية اللاجئين ومنحهم تعويضات مالية والضغط على بعض الدول لمنح جنسيتها اللاجئين الفلسطينيين مقابل مبالغ مالية للدول المضيفة وللاجئين.

لكن كل تلك المحاولات فشلت خلال العقود الماضية، أولا بسبب  صلابة الموقف الفلسطيني وتمسكه بحقه بوطنه فلسطين، وثانيا الرفض العربي لفكرة توطين أو تجنيس اللاجئين الفلسطينيين لأسباب مختلفة.

ومع تصاعد دور الحركة الوطنية الفلسطينية بعد منتصف الستينيات من القرن الماضي، ارتفعت أصوات فلسطينية تشير لمخاطر وجود ودور “الأونروا” وأكدت الحركة الفلسطينية أن السبيل الوحيد لاستعادة الأرض والحقوق هو الكفاح المسلح ورفض فكرة تحويل الفلسطيني إلى لاجئ متسول.

لكن طوال تلك السنوات وحتى الآن بقيت “الأونروا” الشاهد الأممي على مأساة اللاجئين الفلسطينيين بل ومأساة الشعب الفلسطيني كله، ما جعل اللاجئ الفلسطيني يتمسك بوجود “الأونروا” والبقاء على دورها واستمرارها.

مع تراجع دور الحركة الوطنية الفلسطينية وتزايد الحالة المأساوية الانسانية للاجئين الفلسطينيين عادت الأصوات الفلسطينية الرسمية والمنظمات الأهلية تطالب باستمرار دور “الأونروا” والبقاء على مساعداتها، في وقت تكثفت فيه التحركات الصهيونية لتصفية “الأونروا” ومحاصرتها كخطوة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.

تناولت المؤامرات على الثورة الفلسطينية والانشقاقات الداخلية برأيك، هل كانت الانقسامات حتمية داخل مسار النضال، أم يمكن وصفها بالخيانة لتاريخ القضية؟

 شهدت الفصائل الفلسطينية منذ انطلاقتها عام 1965 العديد من الانشقاقات والانقسامات كان الكثير منها يؤدي إلى صراع مسلح واقتتال داخلي دموي طبعا بدعم وتشجيع من أنظمة ومخابرات عربية مختلفة.

وكانت هناك انشقاقات داخل الفصائل والقوى الفلسطينية حول الخيارات السياسية أو الهيكلية التنظيمية، وهذا ما شهدته حركة “فتح” والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجبهة النضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية.

وقد شهدت مناطق واسعة في سوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة معارك دامية بين الفصائل الفلسطينية بسبب حالة الانقسام والانشقاق والخلاف حول الخيارات السياسية، طبعا وبصرف النظر عن دور مخابرات بعض الدول العربية في هذه الانشقاقات، إلا أنها كانت حتمية، نظرا للاختلاف الخيارات السياسية والعسكرية والتنظيمية ونظرا للبنية التنظيمية الهشة التي كانت سائدة داخل كل فصيل فلسطيني.

لا شك أن من بين هذه الانشقاقات دافعا من مخابرات عربية يمكن وصفها بالمؤامرة لتدجين وامتلاك الورقة الفلسطينية، لكن لا يمكن القول أن بمعظمها كانت خيانة، بل هي سياق تاريخي طبيعي للحركة الوطنية الفلسطينية وهشاشة بنيتها والصراع بين الخيارات.

 الحديث عن الاجتياح الاسرائيلي للبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا يحضر بقوة في كتابك، كيف تصف تأثير هذه المجازر على الوعي الفلسطيني في الشتات؟

 الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وما تبعها مجرزة صبرا وشاتيلا شكلت كما ذكرت في الاجابة على السؤال الأول، شكلت محطة تاريخية ليس من السهل غيابها عن الذاكرة الفلسطينية الآن ولقرون قادمة، لأن الاجتياح الاسرائيلي شكل ضربة قاسية أضعفت القضية الفلسطينية وكانت دافعا لحالة اليأس والاحباط التي سادت لسنوات بعد الاجتياح، فقد سقط آلاف الشهداء، ودمرت المنازل وتمكن العدو من فرض شروطه بإخراج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت وتفكيك بنية منظمة التحرير وتدمير مؤسساتها، ثم جاءت مجزرة صبرا وشاتيلا بعد أيام من انسحاب المقاتلين الفلسطينيين من بيروت.

فكان المشهد الدموي في صبرا وشاتيلا منافيا لكل الأخلاق والشرائع الانسانية، فماذا يعني ذبح الأطفال الفلسطينيين بالسكاكين، أو غرس فوهات البنادق في بطون النساء الحوامل، وقتل الشباب والرجال جماعات جماعات، كيف يمكن نسيان كل ذلك، وكيف يمكن للذاكرة الفلسطينية أن تنسى ما جرى من عمليات قتل وذبح جماعي، بل هناك العديد من أبناء صبرا وشاتيلا الذي بقوا أحياء يعودون بذاكرتها  إلى صرخات الأطفال والنساء وآلام الجرحى وأصوات الموت من حناجر الرجال..

 أشرت إلى عبثية السلاح الفلسطيني في لبنان، كيف يمكن تحقيق معادلة توزان بين حق الدفاع عن النفس وضبط السلاح بما يحفظ كرامة اللاجئ وأمن وسيادة الدولة اللبنانية؟

 الحقيقة، منذ سنوات عدة وخاصة بعد افتتاح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية عام 2005، وافتتاح سفارة الدولة الفلسطينية وبالتالي اعتراف لبناني رسمي وحزبي لبنان وطائفي بالسلطة الفلسطينية وإقامة الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية أوسع العلاقات مع الفصائل الفلسطينية، ولم يعد في لبنان من قوى وأحزاب وطوائف لبنانية تعادي الوجود الفلسطيني، وفي نفس الوقت لم يعد هناك من إمكانية ليلعب السلاح الفلسطيني من لبنان دورا في تحرير فلسطين على الأقل في المدى المنظور، وفي ظل حالة الاهتراء والضعف والانقسام الفلسطيني واستعادة الدول اللبنانية لدورها وعافيتها والاستعداد الفلسطيني لاحترام والالتزام بالقوانين والسيادة اللبنانية، تراجع الخطر الذي يهدد الفلسطينيين في لبنان، فلم يعد هناك حاجة لوجود السلاح الفلسطيني في لبنان بعد ان فقد دوره وحاجته الوطنية والانسانية.

وإذا كانت هناك قوى وتيارات إرهابية أو تجار مخدرات تتوغل داخل المخيمات فإن مواجهتها ومكافحة وجودها هي مسؤولية ومهمة السلطات اللبنانية، وبالتالي على الجانب الفلسطيني أن يعمل بالتنسيق الكامل مع الدولة اللبنانية واتخاذ إجراءات عملية عاجلة لسحب السلاح الفلسطيني بما يضمن منح اللاجئ الفلسطيني حقه المشروع بحياة كريمة بعيدا عن الذل والقهر والحصار، ويضمن حق اللاجئ بنيل حقوقه الانسانية والسياسية بعيدا عن الشك والاتهام والنظرة له من ثغرات أمنية.

 عشت تجربة الصحافة منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكنت شاهدا على مراحل مصيرية، إلى أي مدى أثرت هذه الخلفية الاعلامية في طريقة توثيقك وسردك في “الضياع”؟

كتاب “الضياع” هو خلاصة تجربة واسعة كنت فيها شاهدا ومشاركا، عاصرت الاعتداءات والمجازر وحروب الابادة التي تعرض لها اللاجئ الفلسطيني في لبنان، عاصرت تجاوزاته وحالة الفوضى والارتجال الفلسطينية التي سادت لسنوات في لبنان وأدت إلى فقدان القضية الفلسطينية بريقها وعمل العدو وقوى لبنانية كانت مرتبطة بالمشروع الصهيوني أو مرتبطة بمخططات نظم عربية، لذلك كان كتاب “الضياع” رغم أنه ليس الكتاب الوحيد الذي يتناول تلك الحقبة من تاريخ القضية الفلسطينية إلا أنه كان محاولة جادة من كاتب عاش المرحلة ومعاناتها وقساوتها لربط الأحداث وخلفياتها وأسبابها وتداعياتها والدوافع التي أدت إلى هزيمة الفصائل وتراجع تأثيرها وأدت إلى تفاقم حالات البؤس والفقر والضياع لدى اللاجئين الفلسطينيين.

ولأني عملت بالصحافة والاعلام خلال تلك المرحلة، أو في سنوات طويلة منها، فكان لا بد بل وكان من الضروري أن اقوم بواجبي الوطني والاخلاقي بتوثيق هذه المرحلة بإنجازاتها وهزائمها ومراراتها، ولأني صحفي وإعلامي كان من السهل توثيق المرحلة وإضافة إلى الكتاب الكثير من الوثائق الهامة.

أفردت فصولا لمخاطر التيارات الارهابية والمخدرات والهجرة غير الشرعية..ما الذي أوصل المخيمات الفلسطينية إلى هذا المستوى من التهديدات الاجتماعية؟

 برزت ظاهرة الارهاب والتيارات الدينية والطائفية في الوطن العربي والعالم مع تراجع القوى اليسارية والتقدمية والقومية، في محاولة مشبوهة لإقناع الشعوب بالتيارات البديلة، وأن هذه التيارات الدينية والارهابية، يمكن لها أن تقاتل الاحتلال وتسقط النظم الفاسدة والتي مارست كل انواع النهب والاستبداد والفساد، من اجل ضمان التفاف شعبي وتشكيل حاضنة شعبية تسبح فيها، بهدف نشر فكر القتل والتخلف والجهل والانقسام الديني. تعاطفت قطاعات واسعة من الشعوب خاصة العربية مع القوى والتيارات الدينية والارهابية لسد الفراغ وملئ البطون بالخبز العفن.

وكانت المخيمات الفلسطينية في لبنان مسرحا لهذه القوى والتيارات وبعد الفراغ الوطني الفلسطيني وتراجع دور الحركات الوطنية الفلسطينية توغلت القوى الدينية لتشكل البديل، وشهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان خاصة مخيمات نهر البارد شمال لبنان وعين الحلوة قرب مدينة صيدا والرشيدية موجات واسعة من الاشتباكات مع عناصر القوى والتيارات الارهابية.

وفي ظل الفراغ والضعف الذي تعرضت له الحركة الوطنية الفلسطينية وعدم منح اللاجئين الفلسطينيين لحقوقهم الانسانية المشروعة وعدم دخول السلطات اللبنانية للسيطرة على أمن المخيمات وضبط الأوضاع، انتشرت ظاهرة آفة المخدرات وتفاقمت الأوبئة والأزمات الاجتماعية والبيئية والبطالة.

في ظل كل هذه الانتكاسات، تكتب أن الشعب الفلسطيني لم يمت، ما الذي يمنحك هذا الأمل، وعلى ماذا تراهن في استنهاض الحالة الفلسطينية؟

 الشعب الفلسطيني لم يمت رغم كل التحديات والهجمات وحروب الابادة والمؤامرات التي تعرض لها، الشعب الفلسطيني لم يمت رغم تراجع وضعف الحركة الوطنية الفلسطينية، لن الشعب الفلسطيني يمتلك إرادة صلبة وعنادا قويا وتمسكا بحقه المشروع رغم كل التضحيات.

والشعب الفلسطيني لن يموت لأن شعب حضاري عريق له ارتباطات تاريخية بعمقه العربي لأنه جزب من أمته ولأن أرض فلسطين هي أرض عربية وأن الكيان الاسرائيلي لا يهدد الفلسطينيين فحسب بل يهدد العرب، لذلك فالعدو الاسرائيلي ليس عدو للشعب الفلسطيني بل هو عدو للعرب وعدو لحركة التاريخ وعدو للبشرية ما يجعل كل هذا العمق حضنا للفلسطينيين وقضيتهم الوطنية بصرف النظر عن المرحلة التاريخية السيئة التي نمر بها ويمر بها العرب اليوم.

تعنت هذا العدو ومواصلة مجازره وعمليات القتل والتشرد والمجازر، وسياسة العدو العدوانية الرافضة لكل مشاريع التسوية، سيجعل من الادارة الاسرائيلية لا تشكل خطرا على الفلسطينيين فحسب، بل ستشكل خطرا على العرب جميعا، ما يجعل استنهاض الحالة الفلسطينية والعربية أمرا حتميا.

طبيعة تطورات الأوضاع والمخططات الصهيونية ستؤكد بالنهاية أن هذا الاحتلال لا يريد سلاما ولا يلتزم باتفاقيات، وسيجد الفلسطيني والعربي عامة أنه لم يجن من سياسة العجز والخوف والضعف إلا المزيد من الذل والقهر والنهب والتعنت وضياع الحقوق، وبالتالي حتما سينهض من كبوته.

 كيف تقيم العلاقة الفلسطينية اللبنانية اليوم، وهل هناك ما يكفي من الارادة السياسية لدى الطرفين لتنظيم وضع اللاجئين الفلسطينيين بما يحفظ السيادة والكرامة معا؟

 من الواضح أن العلاقات الرسمية اللبنانية الفلسطينية فيها الكثير من الارتياح والاستقرار، وهناك علاقات فلسطينية حزبية وشعبية على كافة المستويات ما يجعل الصراعات والحروب الدموية بين أطراف لبنانية والشعب الفلسطيني أصبح من الماضي، لكن هذه العلاقات تتطلب المزيد من التدقيق والتنظيم من خلال وقف حالة الفوضى والتهميش التي تعيشها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والتزام الجانب الفلسطيني بشكل كامل بالقوانين والاعراف اللبنانية، وأيضا من الضرورة أن تعمل السلطات اللبنانية على منح اللاجئ الفلسطيني حقه بحياة كريمة، حقه بالعيش والعمل والتنقل والطبابة والتعليم.

للاجئين الفلسطينيين حقوق إنسانية وعليهم واجبات قانونية حان الوقت إيجاد صيغة تجمع طرفي المعادلة دون المساس بكرامة اللاجئ ودون المساس بسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها على اللاجئ الفلسطيني.

بعد اصدارك لعدة مؤلفات حول القضية الفلسطيني، هل ترى أن الكتابة مازالت سلاحا مؤثرا في معركة الوعي، أم أن أثرها بات محدودا أمام أدوات العصر الحديث؟

لا شك أن تطور أدوات الاتصال والتواصل في العصر الحديث شكلت قفزة ليس للتعبير فحسب، بل أيضا للتوثيق وكتابة التاريخ، والمعرفة، كل ذلك مقدمة للوعي وتطور الانتاج الفكري، لكن طبعا مازالت الكتابة سلاحا مؤثرا في معركة الوعي والمعرفة، فالكتابة وثيقة بالمتناول، وهي مرجع مصدر وخزان للأحداث، وكما ذكرت ورغم تطور أدوات العصر في التعبير لكن يبقى الكتاب وسيلة رائدة للتعبير والحفظ والتوثيق والأرشفة.

 هل ترى في طوفان الأقصى وحرب غزة استكمالا لنكبة 1948؟ وكيف تضع هذا الحدث ضمن سياق النكبة المستمرة؟

شكلت عملية طوفان الأقصى في الثامن من أكتوبر عام 2023 عملية بطولية رائدة، وحدثا تاريخيا في سياق المسار التاريخي للمقاومة في فلسطين، لكن تداعيات هذه العملية وما استعمله الاحتلال من فائض قوة، وحرب إبادة وتجويع وحصار ومجازر بدعم مباشر من آلة الحرب الأمريكية والخزانة الأمريكية، جعل عملية طوفان الأقصى البطولية عملية يتيمة في ظل الصمت إن لم نقل التآمر العربي على القضية الفلسطينية.

لذلك علينا ان لا نقرأ عملية طوفان الأقصى باعتبارها حدثا عابرا ومعزولا عن مسار القضية الفلسطينية من جهة وعن ما يجري من مخططات ومشاريع في المنطقة، لذلك هناك ضرورة لقراءة تداعيات العملية، خاصة وأن ما قام به العدو وحلفائه أدى إلى تدمير القطاع وتشريد الشعب، وأدى إلى البحث عن مستقبل قطاع غزة بعيدا عن الفصائل الفلسطينية.

يمكن القول أن ما جرى بغزة، رغم القتال البطولي وصمود الشعب إلا أن نتائج حرب الابادة الاسرائيلية في القطاع كانت كارثية وشكلت حلقة من حلقات الضياع والنكبات الفلسطينية.

https://anbaaexpress.ma/g7v60

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى