مع تراجع أسعار النفط إلى 66 دولارًا للبرميل، تواجه الجزائر عاصفة اقتصادية جديدة تكشف عمق الهشاشة البنيوية، وغياب أي تصور استراتيجي لدى النظام الحاكم.
وبينما تتحرك السعودية بالتنسيق مع إدارة ترامب لإغراق السوق، تتفاقم الأزمة داخليًا بسبب الاعتماد المفرط على المحروقات، في وقت يواجه فيه الغاز الطبيعي أيضًا ضغوطًا متزايدة في الأسواق العالمية.
بترول الجزائر: 40٪ من الصادرات في مهب الريح
رغم أن الجزائر تُعرف تقليديًا بأنها “دولة غازية”، إلا أن البترول لا يزال يمثل نحو 40% من إجمالي صادراتها الطاقية. ومع تهاوي سعر البرميل إلى ما دون 66 دولارًا، تتلقى البلاد ضربة مباشرة في مصدر حيوي من مداخيلها.
هذا الانخفاض يُهدد بإرباك ميزانية الدولة، خصوصًا وأن هذه الأخيرة بُنيت على توقعات أسعار أعلى، وبغياب أدوات تحوط مالي حقيقية.
الغاز أيضًا ليس في مأمن: أمريكا تدخل بقوة
على الرغم من أن الغاز يمثل أكثر من 50٪ من صادرات الجزائر الطاقية، فإن أسعاره العالمية وتوازناته الجيوسياسية دخلت مرحلة حساسة.
• السوق الأوروبية، التي تمثل الزبون الرئيسي للغاز الجزائري، أصبحت تتنوع في مصادرها (الولايات المتحدة، قطر، النرويج…).
• الغاز الأمريكي يُشكّل حاليًا حوالي 25٪ من واردات أوروبا، وتُظهر المؤشرات أنه مرشّح للارتفاع بقوة في السنوات المقبلة.
• هذا التوسع في واردات الغاز الأمريكي يتم في سياق سياسي واضح: كقربان من أوروبا إلى إدارة ترامب، في محاولة لامتصاص ضغطه التجاري والجيوسياسي المتزايد على القارة العجوز.
هذا التحوّل يُهدد بشكل مباشر الحصة السوقية للجزائر، التي تواجه منافسة شرسة بأسعار وشروط أكثر مرونة، بينما بنيتها التحتية ما زالت مرتبطة بأنابيب محدودة التوجيه، ونموذجها التعاقدي يفتقر للمرونة والقدرة على التكيف مع متغيرات السوق.
أزمة حكامة وتسيير غير عقلاني لاقتصاد هش
في مواجهة هذه العاصفة، يُظهر النظام الجزائري قصورًا واضحًا في الحكامة:
• لا توجد رؤية استراتيجية لما بعد المحروقات.
• التسيير ما زال يتم وفق منطق إدارة الأزمة وليس تجاوزها.
• المشاريع الاقتصادية البديلة مرتبكة، بطيئة، أو غير واقعية.
الأخطر من ذلك أن السلطة تُغلق الباب أمام أي إصلاح سياسي حقيقي قد يفتح المجال لبروز نخب اقتصادية جديدة أو تفكير غير تقليدي.
خطر مزدوج: اقتصاد ينهار وثقة شعبية تتآكل
مع ضعف مداخيل النفط، وتقلّب أسعار الغاز، وتآكل احتياطي الصرف، تقف الجزائر أمام خطر ثلاثي:
1. أزمة مالية خانقة.
2. موجة غلاء وارتفاع بطالة.
3. تفاقم فقدان الثقة بين المواطن والدولة.
كل ذلك في ظل محيط إقليمي مضطرب، ونظام عالمي لا يرحم من يتأخر عن التحول والابتكار.
هل الجزائر تتوفر على تصور استراتيجي للخروج من هذه الأزمة المتفاقمة
لم تعد الجزائر تملك ترف الانتظار. المعادلة أصبحت واضحة:
إما إطلاق إصلاحات سياسية واقتصادية شجاعة تُحرر الطاقات وتفتح الباب لاقتصاد منتج، وإما السقوط في أزمة مزمنة قد تُفقد البلاد توازنها الداخلي وقدرتها على الاستمرار.
تعليق واحد