الشرق الأوسطتقارير
أخر الأخبار

المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين والحماية الدولية المقررة لهم

ومن الملاحظ أن أغلب التعريفات للاجئ الفلسطيني مثل تعريف وكالة الغوث أو الصليب الأحمر جاءت بأبعاد إغاثية تركز على الأشخاص الذين هم بحاجة إلى المساعدة المادية بسبب فقدانهم لأسباب المعيشة، ولم تتعرض إلى اللاجئين غير المحتاجين الذي فقدوا أملاكهم ومواطنهم

د. محمود عبد المجيد عساف

مقدمة:

تعد مشكلة اللجوء من القضايا التي فرضت نفسها على المجتمع الدولي طوال تاريخه، إلى أن أصبحت تمثل مشكلة وتحد كبير للسياسة الدولية، كون أن فئة اللاجئين من بين أكثر الفئات تعرضاً للمعاناة بدءاً من تعرضهم لأسباب اللجوء، مروراً بالاضطهاد والكوارث، وانتهاء بانتهاكات لحقوق الإنسان.

لقد ظهرت مشكلة اللاجئين وتزامنت مع نشأة الإنسان، ولازمته عبر مختلف الحقب التاريخية التي مر بها على هذه الأرض، حيث كان يلجأ إلى المغارات والجبال والغابات للاحتماء بها من الأخطار التي تحدق به، كما تعرف على فكرة الهروب من الموطن للنجاة بنفسه من بطش الآخرين أو من عواقب الحروب، إلى أن تطورت وسائل وطرق اللجوء بالصور التي تعهدها اليوم بفعل تطور وسائل الاتصال والمواصلات.

كان موضوع اللاجئين على مدى عقود من الزمن مجرد قضية تثار حول موقف معين أو منطقة بذاتها، ولم يتم النظر إليه باعتباره من القضايا التي يتوجب على المجتمع معالجتها إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولى وذلك بسبب ظهور عدد كبير من اللاجئين نتيجة لتلك الحرب التي شردت عشرات الآلاف وأخرجتهم من أوطانهم، ومنذ ذلك الحين ظهر الاهتمام الدولي بموضوع الرؤية الشاملة للموضوع، وهو ما ظهر جلياً في الاتفاقات الخاصة باللاجئين مثل اتفاقية جنيف 1949 التي حددت تعريف اللاجئ بشروط زمانية ومكانية.[1]

مع تفاقم مشكلة اللاجئين نتيجة للظروف المختلفة خلال القرن الماضي والحالي ونتيجة لارتفاع وتيرة انتهاك حقوق الإنسان، أصبح ينظر إلى اللجوء كظاهرة اجتماعية ذات بعد إنساني مما دفع بالأمم المتحدة إلى تأسيس المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بهدف احتواء هذه الظاهرة، التي امتدت نشاطها ليشمل فئات أخرى غير اللاجئين كالنازحين داخلياً، وعديمي الجنسية وغيرهم من الفئات التي تحتاج إلى المساعدة.[2] وكذلك إنشاء وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط.

الحماية الدولية للاجئين:

تعد اتفاقية جنيف (1951م) الوثيقة الرئيسة الدولية التي تحدد من هو اللاجئ، وما هي حقوقه، وما هي الالتزامات القانونية للدول، لكنها كانت مقيدة لتعريف اللاجئ بقيد زماني ومكاني، المكان مرتبط بالتزامات الدول الموقعة على الاتفاقية والزماني مرتبط بالفترة ما قبل عام 1951م، لكن جاء برتوكول 1967 ليلغي هذين القيدين.[3]

ولما كانت الحماية تعني الاقرار بأن للأفراد حقوقاً، وأن السلطة التي تمارس عليهم لديها التزامات، وتعني الدفاع عن الوجود القانوني للأفراد إلى جانب وجودهم المادي، فإن حماية اللاجئين تعني جميع الإجراءات المادية والتي تمكنهم من المساعدة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية بصورة مباشرة، أما الحماية غير المباشرة فتشمل المهام والأنشطة التي تنهض بها الأجهزة الدولية بغرض توفير مناخ عام يكفل إقرار وتعزيز حقوق الإنسان ونشر الوعي بها.

المعايير الدولية لحماية اللاجئين:

معايير المعاملة التي يمكن للاجئ أن يتوقعها من بلد اللجوء مستمدة من القانون الدولي للاجئين والقانون الدولي لحقوق الإنسان معاً، وعليه يفترض حتى على الدول التي ليست أطرافاً في اتفاقية عام 1951م، وبرتوكول 1967م الحفاظ على معايير متشابهة من حيث تأمين الحاجات الأساسية لهم وتوفير الغذاء والمأوى والكساء والعناية الطبية، والأمن دون تميز بسبب العرق أو الدين.[4]

ومن الجدير بالذكر أن قدرة اللاجئين على التمتع بالعديد من الحقوق وخصوصاً حرية التحرك والحماية من الأبعاد وتصبح كبيرة إذا كانوا يملكون وثائق هوية، وهنا يجب على بلد إصدار اللجوء مثل هذه الأوراق لكل لاجئ ما لم يكن هذا اللاجئ يحمل وثيقة سفر، وإن لم تقم بذلك تقوم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالعمل على تحسين عملية التسجيل وإصدار مستندات الهوية بالاشتراك مع الحكومة المعنية.

في الواقع العملي يعاني اللاجئون كثيراً في الحصول على المميزات والحقوق المقررة لهم في القانون الدولي خصوصاً في حالات اللاجئين التي طال أمدها، حيث يعانون من نقص متزايد في الحاجات الأساسية، كما تقل الإغاثة الإنسانية على مر الزمن كما في حالة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين.

المركز القانوني للاجئين الفلسطينيين:

رغم انطباق تعريف اللاجئ وفقاً لاتفاقية عام 1951م والذي أقرت به الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف في المادة (1) فقرة (2) على اللاجئ الفلسطيني إلا أن الأمم المتحدة استثنتهم عندما أضافت للاتفاقية عبارة: “لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتمتعون حالياً بحماية أو مساعدة من وكالات تابعة للأمم المتحدة أي من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين(الأونروا)، مع أن وكالة الغوث تقدم مساعدات ولا توفر الحماية.

كما إن تعريف الاتفاقية وتحديد التاريخ بمن وجد خارج بلاده قبل تاريخ ينار 1951م، لو تم تطبيقه على الفلسطينيين الذين هاجروا من فلسطين ولجأوا قبل عام 1951 أي عام 1948م فإنه يسقط عشرات الآلف من هذا المفهوم كما إنه يصف القضية بأنها إنسانية وليست سياسية تحتاج إلى حل جذري يضمن لهم حق العودة، كما إنه لا يشمل العديد من الفئات:

اللاجئون نتيجة حرب 1948 وأصبحوا في أماكن لا تقع ضمن دائرة عمليات الأونروا كما في مصر والعراق وشمال أفريقيا والخليج.

الأفراد الذين رحلتهم إسرائيل عن الضفة وغزة بعد عام 1967م.

كل الذين غادروا الأراضي المحتلة للدراسة أو زيارة الأقارب أو العمل ومنعتهم إسرائيل من العودة إلى ديارهم.

كل الفلسطينيين الذين لجأوا عام 1948 ورفضوا تسجيل أنفسهم لدى الأونروا.

ومن الملاحظ أن أغلب التعريفات للاجئ الفلسطيني مثل تعريف وكالة الغوث أو الصليب الأحمر جاءت بأبعاد إغاثية تركز على الأشخاص الذين هم بحاجة إلى المساعدة المادية بسبب فقدانهم لأسباب المعيشة، ولم تتعرض إلى اللاجئين غير المحتاجين الذي فقدوا أملاكهم ومواطنهم.

لكن التعريفات الوطنية، مثل تعريف الميثاق القومي الفلسطيني، وتعريف الوفد الفلسطيني المشارك في مفاوضات السلام في أوتاوا بكندا 1992م وتعريف المجلس التشريعي، وتعريف دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، تذهب إلى أنه: (كل الفلسطينيين وذرياتهم الذين طردوا أو أجبروا على ترك ديارهم والذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين عام 1947م، وتركوها نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ويشمل ذلك النازحون غادروا منازلهم نتيجة لحرب حزيران 1967م ولم يتمكنوا من العودة لديارهم).

 الأسانيد القانونية المتعلقة باللاجئ الفلسطيني: [5]

من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين قرار الجمعية العمومية رقم (212) في عام 1948م القاضي بإنشاء صندوق خاص للاجئين الفلسطينيين، والقرار رقم (302) في عام 1949 القاضي بتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى.

القرار (393) سنة 1950 الذي نص على استمرار مساعدة اللاجئين، وتأسيس صندوق لإعادة دمجهم، والقار (394) لنفس العام الذي طالب بتنفيذ عودة اللاجئين والتعويض لهم.

القرار رقم (2535) الذي أقرت فيه الجمعية العامة بأن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نشأت عن إنكار حقوقهم وفي عام 1974م أصدرت الجمعية العامة القرار رقم (3236) الذي أكدت فيه على حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم.

ويمثل هذا القرار وغيره تطوراً مهماً على صعيد القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، بل ويعد وثيقة اعتراف دولي بحقوق الشعب الفلسطيني وعلى صعيد مجلس الأمن فإن أهم القرارات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين هو القرار 242 عام 1967 والذي نصت الفقرة (ب) منه على” ضرورة تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين ” والقرار (237) المعتمد بالإجماع في نفس العام والذي دعا إسرائيل إلى تأمين سلامة وأمن سكان المناطق التي جرت فيها عمليات عسكرية، وتسهيل عودة الذين فروا ممن هذه المناطق منذ نشوب القتال، وعقب حرب 1973 أصدر مجلس الأمن قراره (338) الذي أكد على وجوب تنفيذ قرار 242.[6]

تجدر الإشارة إلى أنه ورغم أهمية هذه القرارات إلا أن مجلس الأمن لم يكن على مستوى الأحداث الخاصة باللاجئين، حيث صيغت على شكل توصيات ولم ترقى إلى مستوى الإلزام.

هناك أكثر من (52) قراراً صادراً عن مجلس الأمن وأكثر من (110) عن الجمعية العمومية تدعو لاحترام حقوق الإنسان، وإلى تطبيق اتفاقيات جنيف الرابعة 1949 في الأراضي المحتلة، وجميعها تذكر بقضية حق العودة، ولعل أبرزها إضافة إلى ما سبق ذكره، القرار (681) لعام 1990م.

الحقوق المقررة للاجئين الفلسطينيين وفقاً لقواعد القانون الدولي:

تميز الموقف الفلسطيني الرسمي طوال حياته بالتمسك بحق العودة، ولم يظهر الخلل إلا في اتفاق أوسلو الذي تم تأجيل فيه قضية اللاجئين إلى مفاوضات الوضع النهائي، لكن سرعان ما عادت الصحوة، وبدأت عملية التأصيل لحقوق اللاجئين المقررة وفقاً لقواعد القانون الدولي، وهي:

حق العودة:

إن حق العودة يرتبط بمجموعة من الحقوق التي يتمتع بها الإنسان باعتبارها لصيقة به بغض النظر عن جنسه أو جنسيته أودينه، فيرجع أصل حق العودة إلى ثلاثة مرتكزات أساسية، هي:

حرية التنقل ومغادرة الشخص لبلده إلى مكان آخر، حتى وإن كانت هذه الحرية مقيدة بشروط تنظيمية إلا أنها حالة طبيعية تقتضيها ظروف الحياة.

تجريم التهجير القسري، والذي نجد أصله في قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي للاجئين

مجموعة القرارات الدولية التي تعترف بهذا الحق وتؤكد على حمايته خاصة القرار (194) الذي جاء فيه (وجوب السماح بالعودة للفلسطينيين في أقرب وقت ممكن ووجوب دفع التعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة)

وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما وافقت على طلب انضمام إسرائيل، جاء في قرارها رقم (273) أن ذلك جاء بناء على تعهدها بتنفيذ القرار (194) المتعلق بعودة اللاجئين لفلسطينيين، وفي هذا خلل قانوني كبير، حيث وافقت الأمم المتحدة على انضمام كيان محتل لأرض شعب آخر.

ينطبق حق العودة على كل مواطن فلسطيني طبيعي سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ولذلك فإن حقه في العودة مرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه.

حق التعويض:

حق التعويض لا يمثل مقابلاً لحق العودة لكنه مقابل الخسائر المادية الفردية التي تكبدها اللاجئون نتيجة تدمير بيوتهم أو استغلال ممتلكاتهم، ومقابل الخسائر المعنوية المتمثلة في المعاناة وفقدان أفراد الأسرة، ومقابل الخسائر المادية الجماعية مثل المرافق العامة، والخسائر المعنوية الجماعية مثل فقدان الهوية أو الجنسية والشتات والتعرض للتميز العنصري وعليه يستحق اللاجئون خمسة أنواع من التعويض أكدها قرار الأمم المتحدة رقم 52/644. [7]

وحيث إن كل ضرر للغير يلزم بإعادة الشيء إلى أصله، وعليه دفع قيمة مثلية أو بديلة، فقد حدد القرار 194 بوضوح من عليه مسؤولية هذا التعويض، كما أدرج في مؤتمر القانون الدولي الذي نظمته اللجنة الدولية للوضع القانوني للاجئين الذي عقد في القاهرة عام 1992م وصدر فيه إعلان مبادئ تعويض اللاجئين.[8]

ورغم أن قرار الجمعية العامة رقم (194) لم يذكر في إسرائيل صراحة وهو ما تحاول إسرائيل التنصل به من التزاماتها وأن تلقي باللوم على السلطة الوطنية وعلى الدول العربية الموقعة معها على اتفاقيات، إلا أن الجمعية العامة أكدت ذلك بأكثر من مئة قرار لاحق، كما أن حق اللاجئ لا يسقط بتوقيع أي اتفاق باعتباره حق فردي ليس له حد زمني.

[1] العايب، خير الدين (2021). حقوق اللاجئين والحماية الدولية لهم، مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية، المركز الديمقراطي العربي –برلين، العدد (8)، ص10.

[2] بوجمعة، حنطاوي (2019). الحماية الدولية للاجئين-دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي (رسالة دكتوراه)، جامعة وهران (1) الجزائر، ص3.

[3] بلخير، بلحاج (2020). حالات استبعاد اللاجئ من الحماية الدولية، مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية، العدد (3)، ص55.

[4] بركات، حمزة (2021). الحماية الدولية للاجئين، مجلة القانون الدولي للدراسات البحثية، المركز الديمقراطي العربي-برلين، العدد (7)، ص37.

[5] النواجحة، رمزي (2016). الأداء الدبلوماسي الفلسطيني في تعزيز الموقف الدولي تجاه قضية اللاجئين (رسالة ماجستير)، أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا، غزة، ص44.

[6] زقوت، ناهض (2011). قضية اللاجئين وقرارات الأمم المتحدة: دراسة تحليلية، جمعية منتدى التواصل، غزة، ص22.

[7] عتياني، مريم ومناع، معين (2010). معاناة اللاجئ الفلسطيني، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، ص8

[8] أبو الخير، مصطفى (2010). حق اللاجئين الفلسطينيين في التعويض في القانون الدولي، المؤتمر والفكري السياسي لحق العودة، ص10.

* كاتب من غزة 

https://anbaaexpress.ma/cy8re

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى