شهدت بعض المدن المغربية، مباشرة بعد شهر رمضان، تصاعدًا مثيرًا للانتباه في حوادث العنف بالسلاح الأبيض، خصوصًا وسط النساء، سواء في المدارس أو في الشوارع.
هذا المعطى الصادم يدعو إلى التساؤل حول الأسباب العميقة، النفسية والاجتماعية، وراء هذه السلوكيات، ويطرح علامات استفهام حول دور بعض الأعمال الدرامية، وعلى رأسها مسلسل “الدم المشروك”، في تغذية هذا النوع من العنف الرمزي والمادي.
شهر رمضان: توازن روحي أم احتقان مؤجل؟
رغم ما يحمله شهر رمضان من طقوس روحية، إلا أنه قد يتحول، في بعض السياقات، إلى فترة من الاحتقان النفسي والاجتماعي المكبوت، خاصة لدى الفئات الهشة أو المعرضة للضغوط المعيشية والعلائقية. وبعد انقضاء الشهر، قد تنفجر هذه التراكمات في شكل سلوكيات عنيفة وغير متزنة.
ظاهرة العنف النسائي: من الهامش إلى العلن
العنف الصادر عن النساء لم يعد ظاهرة معزولة أو هامشية، بل بدأ يأخذ طابعًا علنيًا وصادمًا، خصوصًا عندما تُستعمل فيه أدوات حادة في سياقات مدرسية أو شارع عام. وهو ما يعكس تحولًا في تمثلات القوة والدفاع عن الذات لدى بعض النساء، اللواتي قد يشعرن بأن العنف هو السبيل الوحيد للخروج من منطق الضحية.
“الدم المشروك”: دراما الانتقام أم تحريض غير مباشر؟
مسلسل “الدم المشروك”، الذي حظي بنسبة متابعة عالية خلال رمضان، يعالج قضايا حساسة مثل الخيانة، التلاعب، الصراع داخل الأسرة، والانتقام.
كثير من الشخصيات النسائية في المسلسل تتبنى ردود فعل عنيفة ومندفعة ضد ما تعتبره “ظلما” أو “خذلانا”.
تم تقديم هذه الشخصيات في صورة “بطولية”، مما قد يُنتج نوعًا من التعاطف والتماهي غير الواعي لدى بعض المشاهدات، ويدفع إلى تطبيع فكرة الانتقام وتبرير العنف.
تأثير الإعلام على السلوك المجتمعي: مسؤولية مزدوجة
من المعروف أن الإعلام والدراما لا يصنعان السلوك بشكل مباشر، لكنه يساهمان في توجيه الوعي الجماعي وإعادة تشكيل المعايير القيمية.
عندما تُعرض مشاهد العنف العاطفي أو الجسدي دون معالجة تربوية أو قيمية واضحة، فإنها تتحول إلى وقود غير مباشر لبعض السلوكيات المنحرفة، خصوصًا في ظل غياب مناعة نقدية أو وعي تربوي لدى المتلقّي.
نحو خطاب درامي بديل ومجتمع واعٍ
المطلوب اليوم ليس فقط التنديد بالمسلسلات أو نقد الظواهر بعد وقوعها، بل:
إعادة النظر في مضامين الأعمال الدرامية الرمضانية، وتحميلها جزءًا من المسؤولية القيمية.
خلق برامج تربوية وإعلامية موازية، تشتغل على تفكيك رسائل العنف، وإعادة الاعتبار لقيم الحوار والاحتواء.
دعم الأبحاث النفسية والاجتماعية التي تشتغل على الارتباط بين السلوك المجتمعي والإنتاج الدرامي.
إن موجة العنف النسائي بعد رمضان ليست معزولة عن السياق الاجتماعي والنفسي العام، كما أنها لا تنفصل عن التأثيرات غير المباشرة للإنتاجات الفنية.
ويبقى الرهان الحقيقي هو بناء وعي نقدي جماعي، يُفرّق بين المتعة الفنية والتماهي السلوكي، ويعيد الاعتبار لقيم اللاعنف، الحوار، والتوازن النفسي في زمن تتقاطع فيه الدراما بالدم، والواقع بالخيال.