د. بشري إكدر
قدم السيد ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، إحاطة في إطار مشاورات مجلس الأمن الدولي بنيويورك حول الحالة في الصحراء يوم 14 أبريل 2025.
وفي سياق التفاعل مع تلك الإحاطة، يستشف من خلال قراءة فاحصة أنها حددت عدة أدوارا تشكل أبعادا أساسية لتكثيف الجهود لإيجاد حل لملف الصحراء، يتقدمها دور امريكي متنامي، لا يلبث يبرز كمحدد لملامح حل نهائي، بشروط وتوازنات وضوابط تخضع لرغبات الساسة الأمريكان.
فقد استحوذ الموقف الأمريكي الجديد على مضامين الإحاطة الأممية حول الصحراء، حيث ذكر المسؤول الأممي في الفقرة الأولى من إحاطته الأخيرة حول الصحراء قبل ستة أشهر، بأمله في أن يتغير شيء ما يحيل على إحراز تقدم في الملف.
فما هو الحدث الدولي البارز الذي حدث خلال فترة ستة أشهر الفاصلة بين الإحاطتين؟
يعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية حاملة القلم بمجلس الأمن ارتباطا بإعداد القرارات المعلقة بالحالة في الصحراء، حدثا بارزا يحمل في طياته بوادر تغيير منظر في تناول القضية برمتها.
وبدأ يبرز إعادة تنصيب الرئيس الأمريكي تنامي فرص إحداث تغيير جذري في إدارة الملف، وهو الذي أعلن قبل خمس سنوات أياما قبل مغادرته البيت الأبيض، موقفه الداعم للحكم الذاتي، واعتباره الحل الوحيد الممكن لقضية الصحراء، وما تلا ذلك من اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية خريطة المغرب كاملة دون خط حدودي فاصل بين المغرب والصحراء.
وحري بالذكر أن هذا الموقف أحدث حينها رجة كبيرة، وشكل منعطفا لافتا في تطورات الملف، مما حذا بدول أوروبية الى اقتفاء أثر الولايات المتحدة بخصوص ملف الصحراء.
وفي هذا الإطار، وتعزيزا للمساعي الامريكية لموقفها من النزاع، قدم مشروع قانون بمجلس الشيوخ الأمريكي لتصنيف جبهة البوليساريو منظمة إرهابية.
وارتباطا بكل تلك المتغيرات، جاءت إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مشيدة بدور الإدارة الامريكية الجديدة على مستويين:
المستوى الأول: على صعيد الدبلوماسية انطلاقا من استحضار الإحاطة لحدث دبلوماسي لافت حدث مؤخرا، وهو لقاء وزير الخارجية والتعاون الإفريقي مع نظيره الأمريكي بواشنطن الذي أعاد التأكيد على موقف واشنطن المؤيد لخيار الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب لحل الملف، يعكس هذا المستوى أهمية الحراك الدبلوماسي في الملف ويحيل إلى أهمية الدور المحوري لمجموعة اصدقاء الصحراء وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية.
المستوى الثاني: أن هذا الاهتمام الأمريكي يتناغم مع قناعته وطلبه للمغرب بضرورة تفصيل ما جاء مجملا في مبادرة المغرب للحكم الذاتي خاصة على مستوى توضيح أكثر للصلاحيات التي ستفوض لكيان يتمتع بحكم ذاتي حقيقي في الصحراء.
المسألة الثانية ترتبط بتنصيص الإحاطة على شرط ثان تضمنه التصريح الأمريكي، ويتمثل في قبول الحل من طرفي النزاع، وهو ما نصت عيه صراحة المبادرة المغربية للتفاوض بشأن منح حكم ذاتي لمنطقة الصحراء التي تقدمت بها المملكة المغربية إلى الأمم المتحدة في أبريل 2007.
ويستشف ذلك من منطوق المادة السابعة من المقترح المغربي، حيث تنص على ما يلي: “ترمي المبادرة المغربية، المفعمة بروح الانفتاح، إلى توفير الظروف المواتية للشروع في مسار للتفاوض والحوار، كفيل بأن يفضي إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف”.
وبمجرد إجراء استقراء بسيط لمضامين المبادرة المغربية، يتضح أن واشنطن وهي تبعث رسائلها للأطراف المعنية وللمنتظم الأممي ككل، فإن أنظارها متجهة صوب نص مبادرة المغرب للحكم الذاتي.
وفي سياق استعراضه لرسائل واشنطن له، أشار دي ميستورا إلى أن المفاوضات بين الطرفين للتوصل لحل نهائي، لا بد أن يتضمن ما أسماه “نوعا من الآلية الموثوقة لتقرير المصير”، وهذا يحيل على بعد آخر يتماشى مع الشرعية الدولية من خلال عدة قرارات لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء.
وهو المتمثل في الاستشارة الشعبية للسكان شريطة أن يكون في الوقت المناسب. بمعنى أن تنزيل الحل سيكون على مراحل، وأن هذا الاستحقاق سيكون في مرحلة لاحقة تنفيذ مخرجات الاتفاق المنشود، وهنا فإن رسالة واشنطن الثانية تحيل بشكل ضمني وللمرة الثانية على ما جاء في نص المقترح المغربي في النقطة الثامنة، حيث تؤكد على انه “يخضع نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة”.
ثالثا: الإرادة السياسية للإدارة الامريكية الجديدة للانخراط المباشر في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه.
وهو ما يمكن تسميته بالرعاية الأمريكية الجديدة، والجادة في الان ذاته لإيجاد حل نهائية للقضية، وأعتقد أن المعنى المعبر عنه في الإحاطة والذي يمثل الدور الأمريكي للإدارة الجديدة بواشنطن في الملف يحيلنا على دلالات هامة تجمع بين بعدين:
بعد واقعي في شقين؛ ويتجلى الشق الأول في دعوة الإدارة الأمريكية الجديدة المغرب صراحة حسب الإحاطة إلى تقديم نموذج جاد للحكم الذاتي، وكأنها غير مقتنعة حتى الآن بمضامين وثيقة المشروع المغربي المقترح منذ حوالي عقدين من الزمن.
أما الشق الثاني، فيتمثل في استلهام الإدارة الأمريكية الجديدة لبعض بنود مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب على الأمم المتحدة. وهذا يشير إلى أن واشنطن تنظر للوثيقة المغربية بمستوى يتطلب المزيد من الوضوح في رؤية المغرب للحل من جهة، وعلى وجاهة مقترحه في بعض البنود والتي أشرنا إليها سلفا في المادتين السابعة والثامنة من مشروع وثيقة الحكم الذاتي.
بعد أممي في شقين؛ ويتجلى أولهما في قدرة واشنطن على الإسهام في بلورة الحل عبر بوابة وزنها الدولي والدبلوماسي من جهة.
فيما يتساوق الثاني مع اقتناعها بالشرعية الدولية وبالتوصيفات المعيارية المتعارف عليها دوليا في تنزيل خطط الحكم الذاتي.
ويمكن الخروج بخلاصة مفادها أن الإدارة الأمريكية الجديدة تبعث برسالة للطرفين المعنيين المغرب والبوليساريو أنها غير منحازة لطرف دون آخر، رغم أنها تدعم خيار الحكم الذاتي الجاد حسب تعبيرها، غير انها تحرص على الاقتباس من تصور الطرفين للحل، محاولة بذلك بعث رسالة مفادها أنها تقف على نفس المسافة من الطرفين الأساسيين في النزاع.
وهذا من شأنه أن يتضح أكثر في قرار مجلس الأمن الدولي حول الصحراء المرتقب صدوره متم شهر أبريل الجاري، والذي أعتقد أنه سيعطي لجهود الإدارة الأمريكية الجديدة دورا محوريا في العمل على بلورة حل منصف ومقبول لنزاع الصحراء.
* حقوقي وباحث في الشؤون الصحراوية