لم يعد النظام الجزائري يكتفي بإسكات الصحفيين داخل حدوده، بل صار يسعى لفرض وصايته على حرية التعبير خارجها، عبر ترهيب شركات أوروبية، ومحاصرة المنابر الإعلامية الحرة التي ترفض الاصطفاف خلف الرواية الرسمية.
هذا ما كشفه بيان صادم أصدرته قناة المغاربية، ووصل إلى أنباء إكسبريس مرفقًا بوثائق قانونية دامغة تُثبت أن قرار وقف بثها جاء بتدخل سياسي مباشر من سلطات جزائرية، وبتنفيذ متواطئ من شركة يوتلسات الفرنسية.
توصل موقع أنباء إكسبريس ببيان رسمي صادر عن قناة المغاربية الفضائية، مرفق بوثائق قانونية تؤكد ما وصفته القناة بـ”الرقابة السياسية العابرة للحدود”، وذلك عقب إيقاف بثها بشكل مفاجئ من قبل شركة يوتلسات الفرنسية المشغلة للأقمار الصناعية.
ووفقاً لما جاء في البيان، فإن قرار توقيف البث لم يكن إلا نتيجة ضغط مباشر مارسته الهيئة الوطنية لتنظيم السمعي البصري الجزائرية (ANIRRA)، التي طالبت بقطع الإشارة خلال مهلة لا تتجاوز 48 ساعة، تحت تهديد بقطع كل أشكال التعاون التجاري مع شركة يوتلسات.
هذا الضغط الذي استجابت له الشركة الفرنسية، يُعد – بحسب القناة – انتهاكًا صارخًا للقانون الأوروبي، خصوصًا أن الجزائر ليست طرفًا في الاتفاقية الأوروبية للبث التلفزيوني العابر للحدود، والتي تضمن حرية تدفق الخدمات الإعلامية وحمايتها من التدخل السياسي.
تكشف الوثائق التي حصلت عليها أنباء إكسبريس، أن القرار لم يكن إجراءً تقنياً أو قانونياً بريئاً، بل فعل رقابي سياسي نُفّذ على التراب الأوروبي بأوامر من نظام متهم بقمع الحريات داخليًا وخارجيًا، في انتهاك فج لسيادة القانون الأوروبي وللمبادئ الأساسية التي تدّعي القارة العجوز حمايتها.
وقالت قناة المغاربية في بيانها إنها بصدد اتخاذ إجراءات قانونية أمام القضاء الفرنسي للطعن في القرار، وتحديد المسؤوليات القانونية لشركة يوتلسات التي، بحسب القناة، “شاركت في تصدير القمع الجزائري إلى أوروبا، عبر ما يشبه عملية خطف رمزية لحرية الإعلام”.

جزائر الخارج تلاحق حرية التعبير
ويأتي هذا التطور الخطير في سياق حملة غير مسبوقة تشنها السلطات الجزائرية لإسكات كل الأصوات المعارضة، سواء داخل البلاد أو في المهجر. فبعدما أصبحت حرية الصحافة داخل الجزائر شبه معدومة، تسعى السلطات اليوم – حسب مراقبين – إلى “تصدير مناخ القمع إلى الخارج”، حتى لو تطلب ذلك الضغط على شركات أوروبية، أو خرق قواعد القانون الدولي.
وأكدت قناة المغاربية أنها ستعرض قريباً برنامجاً خاصاً يكشف بالوثائق كيف تمت عملية التواطؤ بين أطراف جزائرية وشركة يوتلسات، كما دعت إلى تضامن واسع من قبل الصحفيين والحقوقيين ونشطاء حرية التعبير في مواجهة هذا “السابقة الخطيرة” التي تنذر بمرحلة جديدة من التضييق الممنهج والعابر للحدود.
وللإشارة، جددت إدارة القناة تمسكها بقيم الحرية والتعددية والحقيقة، مشددة على أن التعددية الإعلامية ليست ترفاً، بل “أساس كل ديمقراطية حية”، وأن القناة ستواصل أداء رسالتها الإعلامية مهما كلفها ذلك.
كما ثمّنت المغاربية الدعم الواسع الذي تلقته من صحفيين ومثقفين وجمهور واسع من المشاهدين، موجهة دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة والتفاعل في البرنامج الخاص المرتقب الذي سيفكك خيوط “الرقابة الجزائرية الموجهة من الخارج”.
يبقى السؤال الآن: هل ستقف المؤسسات الأوروبية، وعلى رأسها الهيئات المعنية بحرية الإعلام، مكتوفة الأيدي أمام هذا الخرق السافر؟ أم أن صوت المصالح الاقتصادية سيعلو مجددًا على صوت المبادئ؟

ملاحظة: تكشف الوثائق بشكل صريح عن ممارسة النظام الجزائري لضغوط مباشرة على شركة EUTELSAT، مهددًا إياها بسحب جميع القنوات الخاصة الجزائرية من باقتها، ما لم تُقدِم على وقف بث قناة “المغاربية” بشكل نهائي.