سياسةمجتمع
أخر الأخبار

ابن كيران يحاول عبثًا العودة إلى الواجهة برسائل نارية: بين المظلومية واستنهاض قواعد الحزب

يحاول عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، العودة إلى الساحة السياسية بعد انتخابه لولاية إضافية على رأس الحزب خلال المؤتمر الوطني التاسع المنعقد بمدينة بوزنيقة.

وكما كان متوقعاً، لم يفوت ابن كيران الفرصة ليبعث بعدد من الرسائل المشفرة والمباشرة، موجهة إلى خصومه السياسيين وإلى الرأي العام الوطني.

في خطاب حماسي ألقاه عقب إعلان نتائج التصويت، هاجم ابن كيران وزارة الداخلية بسبب ما اعتبره “حرمان الحزب من الدعم العمومي لتنظيم مؤتمره”، معلناً عزمه اللجوء إلى القضاء.

وقال في هذا السياق: “خاص وزير الداخلية المحترم يوجد راسو للدعوى بالمحكمة الإدارية، وباش ما حكم القضاء حنا قابلين”، مؤكداً بذلك تمسكه بالاحتكام إلى المساطر القانونية بدل اللجوء إلى التصعيد.

رسالة ابن كيران لم تكن موجهة فقط إلى السلطات، بل حرص على التظاهر أمام أنصاره باستقلالية حزبه عن أي جهة أجنبية أو داخلية، قائلاً: “نحن حزب لا علاقة لنا بأمريكا أو روسيا أو دول الخليج، ولا حتى مع الدولة.. كما يقول لي سيدنا؛ نحن حزب كباقي الأحزاب”. بتلك العبارات، سعى ابن كيران إلى إضفاء الشرعية النضالية لحزبه، وتقديمه كتنظيم سياسي نابع من الشعب ويدافع عن قضاياه دون أي تبعية.

وإن كان المشهد المصطنع للمصالحة مع سعد الدين العثماني، الذي ظهر إلى جانب ابن كيران وسط التصفيقات مع مشهد بكائي غريب بين الغريمين، قد بدا للبعض محاولة لرأب الصدع، إلا أن كثيرين يرون أن هذا التقارب لا يعدو كونه واجهة إعلامية، تخفي تحته جراحاً عميقة.

العثماني نفسه، الذي عانى من انهيار سياسي كارثي بعد الهزيمة الانتخابية لعام 2021، لم يعد يتمتع بثقل حقيقي داخل الحزب، مما يجعل المصالحة مع ابن كيران أقرب إلى ترتيب شكلي منه إلى تفاهم استراتيجي.

وتشير مصادر من داخل المؤتمر إلى تصاعد نفوذ تيار متشدد داخل الحزب، أصبح يمارس ضغطاً متزايداً حتى على ابن كيران نفسه. هذا التيار، الذي يرفض أي مراجعة نقدية أو انفتاح سياسي، يراهن على العودة إلى خطاب الهوية والمظلومية، بدل تجديد المشروع السياسي للحزب، مما ينذر بمزيد من الانغلاق والتشدد في المرحلة المقبلة.

اللافت أيضا كان حضور ممثلين عن جماعة العدل والإحسان في فعاليات المؤتمر، وهو معطى لم يمر مرور الكرام. هذا الحضور، وإن كان رمزياً، يعكس رغبة بعض أجنحة الحزب في إعادة بناء تحالفات مع قوى إسلامية معارضة تقليدياً للمؤسسات الرسمية، وهو ما قد يفتح الباب على تحولات خطيرة في تموقع الحزب داخل المشهد السياسي المغربي. البعض فسره على انه تهديد مبطن للسلطات عبر اشهار احتمال توافق مرحلي في إطار مسلسل لشد الحبل مع الدولة.

ولم تغب القضايا الخارجية عن خطاب الأمين العام لحزب “المصباح”، إذ خص القضية الفلسطينية بحيز مهم، مجدداً مواقف الحزب الداعمة للشعب الفلسطيني، وموجهاً نصيحة مباشرة للسلطات الإسرائيلية: “أنصح الإسرائيليين بأنه إن كانت هناك فرصة للمصالحة مع الفلسطينيين فلا تترددوا، لا تغرنكم الجرائم والانتصارات ولا مساندة ترامب”.

من جهة أخرى، حذر ابن كيران من استمالة الناخبين بالمال، داعياً الأحزاب السياسية إلى مراجعة طرقها في استقطاب المواطنين، ومشدداً على ضرورة العودة إلى المبادئ والقيم في العمل السياسي، في إشارة إلى ممارسات يعتبر أنها تضر بنزاهة العملية الديمقراطية.

فوز ابن كيران بحوالي 70% من أصوات المؤتمرين (974 صوتاً من أصل 1390 صوتاً صحيحاً)، أكد استمرار ظاهري لثقة قواعد الحزب في زعيمهم، رغم الانتكاسات الانتخابية التي مني بها الحزب في السنوات الأخيرة.

لكن هذا الفوز يضعه في مواجهة تحديات كبيرة، أهمها إعادة بناء الحزب استعداداً للاستحقاقات المقبلة، واستعادة جزء من الثقة الشعبية التي اهتزت بعد التجربة الحكومية السابقة.

ابن كيران، الذي قال في خطابه إن المسؤولية تجلب “البكاء” لا الفرح، يبدو واعياً بثقل المهمة الملقاة على عاتقه، وهو ما جعله يطلب صراحة من أنصاره: “إذا معندكمش رهان انتخابي خليوني نمشي فحالي”، واضعاً معايير واضحة لاستمرار مشروعه السياسي.

في نهاية المطاف، ظهر ابن كيران وفياً لأسلوبه الذي يجمع بين التهديد الضمني والمرافعة الأخلاقية والالتزام بالمؤسسات.

إلا أن رهانات المرحلة المقبلة ستختبر مدى قدرة هذا الخطاب على التأثير خارج قواعد الحزب، في مشهد سياسي مغربي يعرف تحولات متسارعة ومنافسة شرسة على أصوات الناخبين.

https://anbaaexpress.ma/zeubm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى