آراءسياسة
أخر الأخبار

الإعلام القطري واستهداف المغرب.. ازدواجية المعايير في زمن التطبيع الموارب

لقد حان الوقت ليعاد النظر في ما يسمى بالإعلام العربي الحر والذي تحول في بعض جوانبه إلى أداة ناعمة لتمرير أجندات سياسية متقلبة، تتغذى على تصفية الحسابات وتكميم الحقائق.

في مشهد إعلامي يزداد تعقيدا وتناقضا لم يعد مستغربا أن تتحول بعض المنابر إلى أدوات دعائية تنحاز لأجندات سياسية مكشوفة، متناسية أبسط قواعد المهنية والموضوعية.

لعل أبرز الأمثلة في هذا السياق ما يشهده الإعلام القطري من حملة استهداف ممنهجة ضد المغرب، تنفذ بخلفية سياسية واضحة، في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن التطبيع العسكري الفاضح بين الدوحة وتل أبيب والذي بلغ ذروته في المناورات المشتركة الأخيرة باليونان.

الإعلام القطري، الذي يتقمص دور “المدافع عن القضايا العادلة”، لم يتوانَ في توجيه سهام الانتقاد للمغرب على خلفيات واهية، تتعلق غالبا بمزاعم حول حقوق الإنسان أو العلاقات الخارجية للمملكة.

لكن التدقيق في هذا الخطاب الإعلامي يظهر نمطاً من التحيّز المتعمد والانتقائية المفضوحة، حيث تفتعل الزوايا السلبية عن المغرب وتضخم، في حين تطوى ملفات أكثر خطورة تتعلق بسياسات قطر الخارجية وتحالفاتها الخفية.

فبينما شاركت قطر، جنبا إلى جنب مع إسرائيل، في مناورات عسكرية داخل الأراضي اليونانية ضمن تمرين “Iniochos 2024”، لم تخصص قنوات مثل الجزيرة أو العربي الجديد سوى تغطية خجولة أو حتى تجاهل تام لهذا الحدث الخطير، وكأنه لا يعني شيئاً في سياق حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة.

هذا الصمت الانتقائي يفقد هذه المؤسسات الإعلامية مصداقيتها الأخلاقية، ويطرح تساؤلات مشروعة حول الأجندات التي تحكم أولوياتها التحريرية.

المفارقة العجيبة أن الإعلام القطري الذي يدعي دعم قضايا الأمة، بات يمارس نوعاً من التنمر الإعلامي تجاه دول بعينها، وعلى رأسها المغرب، كلما اختارت أن تسير في طريق مستقل يعاكس المزاج السياسي للدوحة وهنا لا بد من التذكير بأن المغرب لم يتورط يوما في هجوم إعلامي مماثل ضد قطر، بل ظلّ حريصاً على علاقاته الثنائية والاحترام المتبادل، رغم كل الاستفزازات.

كما أن الرأي العام العربي بدأ يستشعر وجود تحامل منظم ضد المغرب في بعض القنوات القطرية، يظهر ذلك في التناول السلبي الدائم لأي موضوع يتعلق بالمملكة المغربية، سواء تعلق الأمر بالقضية الوطنية للصحراء أو بالسياسة الخارجية أو حتى بالإنجازات الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية التي تحققت في السنوات الأخيرة.

كمثال على ذلك مؤخرًا الإعلام القطري، بما فيه قناة الجزيرة ومنصاتها التابعة، يقدم نفسه كمناصر قوي للقضية الفلسطينية ورافض للتطبيع، لكنه في حالات عدة يظهر انتقائية مريبة، تكشف عن تناقضات بين الخطاب التحريري العلني وبين السياسات التحريرية الفعلية، والتي قد تكون خاضعة لحسابات سياسية واقتصادية معقدة.

الحالة الأولى.. الجنرال الإسرائيلي من أصل مغربي

حين أعلنت الصحافة الإسرائيلية تعيين جنرال جديد على رأس جهاز “الشاباك”، عمد الإعلام القطري إلى التركيز على أصوله المغربية، وكأن الهدف هو تصدير رواية ضمنية مفادها أن المغاربة متورطون في المنظومة الصهيونية، دون إدانة صريحة أو تسليط الضوء على الجرائم التي يرتكبها هذا الجهاز، ودوره في حرب الإبادة المستمرة ضد الفلسطينيين، خاصة في غزة.

هذا التركيز على الأصل المغربي دون نقد للمؤسسة التي ينتمي إليها الجنرال يشي بسياسة إعلامية خبيثة: تحويل الأنظار عن المجرم الحقيقي (الاحتلال وأذرعه الأمنية) وتحويل الغضب باتجاه “الأصل العربي”، وهو ما يخدم بطريقة غير مباشرة السردية الصهيونية التي تحاول تبييض وجه الاحتلال عبر إبراز تنوعه الإثني والديني.

الحالة الثانية.. الموظفة المغربية في مايكروسوفت

عندما عبرت موظفة مغربية في شركة مايكروسوفت عن رفضها لحرب الإبادة على غزة وتعرضت للطرد تجاهل الإعلام القطري ذكر جنسيتها. هذا الصمت الانتقائي يوحي بخوف من “إبراز صورة إيجابية للمغاربة” حين يتعارض ذلك مع البروباغندا التي تحاول ربط المغرب بالتطبيع في كل سياق.

هذا الصمت يقابله تضخيم لأي موقف أو خبر يمكن أن يُفهم على أنه تطبيعي يصدر من دولة المغرب، مما يكشف عن توجه مزدوج، نقد التطبيع حين يصدر من دول بعينها، وصمت أو تبرير حين يصدر من دول أخرى لها علاقات استراتيجية مع الدوحة، كقطر نفسها.

الأدهى أن هذا الإعلام يميل إلى التلاعب بالمصطلحات والرموز السياسية والدينية لتجميل صورة النظام القطري، وتصويره كأنه المخلص الوحيد للقضية الفلسطينية، بينما الحقيقة أن التطبيع لم يعد مجرد شبهة، بل أصبح واقعاً ملموساً في التحالفات الأمنية والمناورات العسكرية المشتركة مع العدو الإسرائيلي.

إن الازدواجية في الخطاب الإعلامي القطري لا تمثل فقط انحدارا مهنيا بل تشكل تهديداً حقيقياً لفهم المواطن العربي للقضايا المصيرية، إذ يعاد تشكيل الوعي الجمعي بناءً على سرديات منحازة وخطاب موجّه. والمؤسف أن هذا يرافقه تكميم للأصوات المعارضة داخل قطر ذاتها، في ظل غياب حقيقي لحرية الإعلام والرأي والتعبير.

وإذا كانت بعض الأصوات القطرية تحاول اليوم أن تصدر مواقف توحي بأنها ضد الاحتلال، فإن السؤال الجوهري الذي يجب طرحه هو: كيف يمكن لمن يشارك في مناورات عسكرية مع جيش الاحتلال أن يكون في ذات الوقت مدافعاً عن فلسطين؟

وهل تكفي الشعارات والتغريدات لإخفاء الواقع الصادم الذي تؤكده الوثائق والصور والمواقف الرسمية؟

في النهاية، المغرب ليس في حاجة إلى شهادات من إعلام مأجور، ولا إلى صكوك براءة من منصات فقدت الحياد. فالمملكة تعرف جيداً موقعها في التاريخ والجغرافيا، وتدرك أن الدفاع عن السيادة الوطنية لا يساوم، وأن المصداقية لا تشترى بشعارات جوفاء أو منابر موجهة..

لقد حان الوقت ليعاد النظر في ما يسمى بالإعلام العربي الحر والذي تحول في بعض جوانبه إلى أداة ناعمة لتمرير أجندات سياسية متقلبة، تتغذى على تصفية الحسابات وتكميم الحقائق.

ختاما وفي زمن الطوفان الفلسطيني، لن يغفر التاريخ لأولئك الذين ارتدوا عباءة المقاومة نهارا ثم صافحوا القتلة ليلا في مناورات عسكرية مشتركة فالتاريخ لا يحفظ الشعارات، بل يسجل المواقف.. 

ولاغالب الا الله

https://anbaaexpress.ma/6h1qf

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى