آراءثقافة
أخر الأخبار

رائحة الورق.. مخطوط “المتين” لابن حَيَّان القُرْطُبَي (الحاضر الغائب)

د/ أنور محمود زناتي 

يتبوأ ابن حَيَّان القُرْطُبَي (377 هـ / 988 م – 469 هـ / 1076) مكانة مرموقة بين مفكري الأَنْدَلُس نتيجة لما أخرجه من تراث تاريخي لا يمكن الاستغناء عنه في دراسة تاريخ الْمَغْرِب والأَنْدَلُس، وهو بلا شك أعظم مؤرخ أنجبته الأَنْدَلُس، بل والغرب كله الإسلامي والمسيحى منه على السواء، وقد أشاد المستشرق الهولندي دوزي Dozy (ت 1883 م) بصدق الرواية عند ابن حَيَّان ؛ ناهيك عن شهادة المؤرخ والفيلسوف ابن خلدون (ت 808 هـ / 1406م) في مقدمته فقال أنه: “قَيَّد شوارد عصره واستوعب أخبار أفقه وقطره“.

ونختار في هذا العرض دراسة مخطوط مفقود لابن حَيَّان ألا وهو “المتين“، ذكره بعض المؤرخين من أمثال ابن سعيد (ت 685 هـ/1286 م) بأنه يسمى “المتين” حيث قال: “وقال ابن حَيَّان في المتين“، أما السخاوي (ت902هـ/ 1497م) في كتابه “الإعلان بالتوبيخ” فيطلق عليه “المبين” مرة و “المتين” مرة أخرى.

ويتألف الكتاب من ستين مجلدة، وهو حصيلة متابعة، وحصاد معايشة، سجل فيه ابن حَيَّان كل شؤون الأَنْدَلُس السياسية، والحربية، والحزبية والاجتماعية، والثقافية، والأدبية، مع ترجمة وافية للمعاصرين له من العلماء والحكام والأدباء والوزراء والقواد، وامتزج كل هذا بمقطوعات من النثر، وقصائد من الشعر، وقد فُقد هذا الكتاب، ولكن في كتب المؤلفين التالين لعصر ابن حَيَّان نقولاً كثيرة عنه من أهمها وأوفرها ما نجده في كتاب “الذخيرةلابن بَسَّام الشنرتيني (ت 542 هـ / 1148 م) حتى أنه لو استخرجت تلك النقول من مختلف أقسام الذخيرة ومن بعض المراجع الأخرى مثل الجزء الثالث من البيان المُغْرِب لابن عذاري (ت 712هـ / 1312 م )، وكتب ابن الأَبَّار (ت 658ﻫ/1260م)، ومغرب ابن سعيد، وصلة ابن بَشْكُوَال (ت 578 هـ 1183 م) حتى عصر ملوك الطوائف، وترتيب المدارك للقاضي عِياض (ت 544 هـ / 1149م)؛ لأمكن إعادة بناء جزء كبير من المتين.

ويبدأ التاريخ في المتين بأحداث الفتنة البربرية التي انفجرت في الأَنْدَلُس في سنة 399هـ / 1008م، وينتهي قبل موت ابن حَيَّان بسنوات قليلة – في نحو سنة463 هـ /1071م؛ وهذا على الأقل هو التاريخ الذى تنقطع فيه نقول ابن بَسَّام من هذا الكتاب، أى أنه يتناول تأريخ نحو أربع وستين سنة من حياة الأَنْدَلُس المعاصرة لابن حَيَّان، وهى معظم هذا العصر الذي يعرف باسم عصر ملوك الطوائف، وتوفر له في هذا الكتاب من وسائل التلقي المباشر ما لم يكن متاحاً له في المقتبس؛ فكان أن سمى تأريخه لما شهد وسمع “المتين” دلالة على ثقته بكل ما يكتب ويدون من مشاهدات، ويدل أيضاً على تثبته مما تلقاه سماعاً أو مكاتبة، من رواية شهود للأحداث.

وتفيد نصوص كتاب المتين المتناثرة في ثنايا المؤلفات الباحثين عند الحديث عن الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وتؤكد على روح الموضوعية عند ابن حَيَّان، كمؤرخ ومدى دقتة باعتباره شاهد عيان على الأحداث حيث عرض فيه ما شاهده بعيني رأسه، وما قد عايشه بنفسه.

فكان أن سمى تأريخه بـ “المتين” ربما إشارة دلالية باستيثاقة مما دون من مشاهداته؛ فنجده يعتمد في تأريخه إلى مشاهداته المباشرة كما أبرز الكتاب روح النقد لديه حيث كان شاهد عيان على الوضع السياسي المتردي لملوك الطوائف وسجل فيه انتقادات لاذعة أشار إليها الباحث عند الحديث عن الموضوعية في كتاباته.

* أكاديمي مصري

https://anbaaexpress.ma/5is2b

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى