بدر شاشا
يواجه العالم اليوم تحديات بيئية متزايدة تتطلب وعياً مجتمعياً عميقاً وإجراءات سريعة للحفاظ على التوازن البيئي. وفي المغرب، الذي يتميز بتنوعه الجغرافي والبيئي، أصبحت القضايا البيئية أكثر إلحاحاً، خاصة مع التغيرات المناخية، التصحر، تلوث المياه، والنفايات الصلبة.
في هذا السياق، يبرز دور الإعلام الأخضر كأداة حيوية لنشر الوعي البيئي، وتوجيه الرأي العام نحو ممارسات مستدامة، وتعزيز ثقافة حماية البيئة في المجتمع المغربي.
الإعلام الأخضر في المغرب لا يزال بحاجة إلى تطوير وتعزيز، فبالرغم من بعض المبادرات التي تسلط الضوء على القضايا البيئية، إلا أن حضور الجرائد الورقية والإلكترونية المتخصصة في هذا المجال لا يزال ضعيفاً مقارنة بالقضايا الأخرى.
هناك ضرورة ملحة لإطلاق مزيد من الجرائد والمواقع الإلكترونية التي تركز على القضايا البيئية، وتقدم محتوى متخصصاً يساعد في رفع مستوى الوعي، ويشجع المواطنين على تبني سلوكيات صديقة للبيئة.
يمكن لهذه الوسائل الإعلامية أن تلعب دوراً مهماً في كشف التجاوزات البيئية، ورصد المخاطر، وتقديم حلول علمية وعملية مبنية على تجارب وخبرات محلية ودولية.
الصحافة البيئية تكتسي أهمية خاصة في المغرب، حيث يمكن للجرائد الورقية أن تستهدف فئات واسعة من المجتمع، بما في ذلك الذين لا يعتمدون على الإنترنت بشكل يومي، فيما توفر الصحافة الإلكترونية فرصة للوصول إلى جمهور أوسع، خاصة فئة الشباب الذين يستخدمون المنصات الرقمية كمصدر أساسي للمعلومات.
ومن خلال تقديم محتوى جذاب يعتمد على البيانات، الصور، والقصص الصحفية الميدانية، يمكن للإعلام الأخضر أن يحدث تأثيراً حقيقياً في المجتمع.
يجب أن تحظى هذه المبادرات الإعلامية بدعم من الجهات الرسمية، الجمعيات البيئية، والقطاع الخاص، من خلال توفير تمويل كافٍ، وتأهيل الصحفيين البيئيين، وإنشاء منصات تفاعلية تتيح للمواطنين المساهمة في تقديم الملاحظات والشهادات حول المشاكل البيئية في مناطقهم.
كما يمكن تعزيز الإعلام الأخضر عبر الشراكة مع الجامعات ومراكز الأبحاث، لتقديم محتوى يعتمد على دراسات علمية موثوقة، مما يساعد في تقديم حلول عملية للقضايا البيئية التي تواجه المغرب.
إلى جانب ذلك، يحتاج الإعلام البيئي إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات المفتوحة، والخرائط التفاعلية، لتمكين المواطنين من تتبع القضايا البيئية بطريقة شفافة وسهلة.
هذه الأدوات يمكن أن تساعد في تعزيز الصحافة الاستقصائية البيئية، مما يساهم في فضح الانتهاكات البيئية، ودفع المسؤولين لاتخاذ إجراءات صارمة لحماية البيئة.
من الضروري أيضاً أن يتوسع الإعلام الأخضر ليشمل مختلف اللغات واللهجات المغربية، لضمان وصول الرسالة البيئية إلى جميع الفئات. فالمحتوى باللغة الأمازيغية، والعربية، وحتى الفرنسية، يمكن أن يسهم في نشر الوعي بين مختلف شرائح المجتمع.
كما أن تبسيط المصطلحات العلمية وجعلها مفهومة للعامة سيساعد في تحقيق التأثير المطلوب، حيث يعاني كثيرون من ضعف الفهم حول خطورة التغيرات البيئية بسبب تعقيد المصطلحات المستخدمة في بعض التقارير.
الإعلام الأخضر ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل هو وسيلة للتغيير الإيجابي في المجتمع. إذا تم دعمه بالشكل الصحيح، يمكن أن يكون له تأثير مباشر على السياسات البيئية، ويساعد في وضع القضايا البيئية ضمن الأولويات الوطنية.
المغرب، الذي يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة من خلال مشاريع الطاقة المتجددة مثل محطة نور للطاقة الشمسية، والمبادرات الزراعية البيئية، يحتاج إلى إعلام قوي يواكب هذه الجهود، ويسلط الضوء على النجاحات والتحديات التي تواجهها البلاد في هذا المجال.
لا يمكن تحقيق وعي بيئي شامل دون إعلام قوي ومتخصص قادر على تقديم المعلومة البيئية بطرق مبتكرة وجذابة.
على المغرب أن يولي اهتماماً أكبر بتعزيز الإعلام الأخضر، من خلال تشجيع إطلاق جرائد ورقية وإلكترونية متخصصة، وتوفير الدعم اللازم لها، لضمان استمرارها وتأثيرها الفعلي في المجتمع. فالإعلام الأخضر ليس مجرد ترف فكري، بل هو ضرورة ملحة لضمان مستقبل بيئي مستدام للأجيال القادمة.
تعليق واحد