برلين – محمد نبيل
يتتبع الفيلم الروائي الطويل “هجرة الأرض” للمخرج هوه منغ الاضطرابات الاجتماعية التي تعصف بحياة عائلة صينية كبيرة في قرية نائية.
الفيلم، الذي يُعرض في المسابقة الرسمية لمهرجان برليناله هذا العام، أثار ردود فعل متباينة من قبل النقاد والصحافيين في الصحافة الألمانية، حيث أشاد البعض بتصويره الرائع لأسلوب الحياة الريفية وسرد قصته الجميلة التي تسلط الضوء على الثقافة والتقاليد الصينية.
كما أُثني على جماليات اللقطات التي تصف المناظر الطبيعية بأنها بمثابة لوحة فنية تنقل جمال الحياة وتحدياتها في الأرياف الصينية.
بالإضافة إلى ذلك، نال الأداء التمثيلي إشادة كبيرة، حيث تمكن الممثلون من تجسيد مشاعر ومعاناة شخصياتهم بكل صدق. لكن على الجانب الآخر، انتقد البعض طول مدة الفيلم، التي أثرت على إيقاع بعض المشاهد، كما أشاروا إلى أن الحبكة لم تكن منظمة دومًا بالشكل الأمثل.
رغم ذلك، تبقى الرسالة الرئيسية للفيلم، والتي تتناول العلاقة بين الإنسان والطبيعة وأهمية المجتمعات الريفية، ذات قيمة كبيرة وتستحق التأمل. بشكل عام، يعد “هجرة الأرض” فيلمًا يحمل عمقًا فكريًا، يعكس جمال وتعقيد الحياة الريفية في الصين.
قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم حول “تشوانغ” الذي نشأ مع أجداده في إحدى القرى الزراعية التقليدية. عمل والداه في مدينة شينزين، التي كانت في عام 1991 منطقة اقتصادية مزدهرة في جمهورية الصين الشعبية.
ومن خلال وجهة نظر “تشوانغ”، الذي يراقب أحداث الحياة اليومية من بعيد، يقدم الفيلم سردًا للعديد من الحوادث الصغيرة التي تكشف التحول الكبير الذي شهده المجتمع الصيني في تلك الفترة.
يستعرض المخرج هوه منغ، الذي وُلد عام 1984، حياة القرية وأسرتها من خلال مشاهد تُظهر الطبيعة في دورة الفصول، وكأنها لوحات فنية مرسومة بعناية.
وفي البداية، تُعرض الاستعدادات لجنازة تقليدية يتم تنفيذها بدقة، حيث يسافر والدا “تشوانغ” من المدينة لحضور هذا الحدث المهم، فيتنقل أهل القرية في موكب جنائزي نحو المقابر المجاورة للحقول.
الريف الصيني والتقاليد العائلية
في سياق الحياة الريفية، تظهر العائلة الزراعية الممتدة التي تزرع قطعة الأرض الصغيرة المستأجرة، حيث يتم حصاد القمح باستخدام المناجل والسواطير.
وتطرح جدة “تشوانغ” تساؤلات يائسة حول المصير قائلة: “لماذا تحدث لنا كل هذه الأمور السيئة؟”. وتستمر الحياة في تحدي لظروفها القاسية، بينما يصل إلى القرية سكرتير الحزب على متن شاحنة زرقاء، ليُعتبر ذلك بمثابة أمل للتغيير.
كما يتناول الفيلم تأثير السياسات الاقتصادية الكبرى التي تبناها رئيس الحزب دينغ شياو بينغ في السبعينات، والتي أدت إلى خصخصة الزراعة الجماعية، إلى جانب التغييرات في السياسة السكانية وتخفيف القيود على سياسة الطفل الواحد. هذه التغيرات الكبرى تنعكس بشكل واضح على حياة أبطال الفيلم، لكنهم يبقون متمسكين بالتقاليد العائلية، وذاكرة الأجداد، وبعض التجارب المؤلمة من أيام الحرب الأهلية.
العلاقة الأسرية وتأثيرها
تربط “تشوانغ” علاقة خاصة مع عمته “شيوي يينغ”، ويتشاركان سرًا عائليًا. وعلى الرغم من أن المستقبل لا يزال غامضًا بالنسبة للطفل، إلا أن تقاليد العائلة وفقرها وتأثير سكرتير الحزب قد حددوا بالفعل مصير الشابة.
من خلال قصة العائلة الصينية الممتدة، يطور المخرج هوه منغ رؤية دقيقة للاضطرابات السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد. ويقدم صورة مذهلة لتحول تاريخي عميق، موضحًا كيف أن هذه التحولات تؤثر على الحياة اليومية لأبناء الريف الصيني.